٣وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ... (٣) قال بعض أهل التأويل: أي: صل بأمر ربك، وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم: أن التسبيح هو التنزيه، والتبرئة عن جميع معاني الخلق، والوصف بما يليق به، قال: نزهه وبرئه بالثناء عليه، وصفه بالصفات العلا، وسمه بالأسماء الحسنى التي علمك ربك. ويحتمل أن يكون معنى قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}، أي: قل: " سُبْحَانَ اللّه وبحمده " على ما جاء في الأخبار أن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يكثر في دعائه " سُبْحَانَ اللّه وبحمده، وأستغفر اللّه وأتوب إليه ". وهذا لأن " سُبْحَانَ اللّه " حرف جامع يجمع جميع ما يستحق من الثناء عليه، والوصف له بالعلو والعظمة والجلال، والتنزيه عن جميع العيوب والآفات، وعن جميع معاني الخلق، جعل لهم هذا الحرف الجامع؛ لما عرف عجزهم عن القيام بالوصف بجميع ما يستحق من الثناء عليه. وكذلك حرف " الحمد للّه "، هو حرف جامع يجمع شكر جميع ما أنعم اللّه عليهم، جعل لهم ذلك؛ لما عرف من عجزهم، وقلة شكر ما أنعم عليهم واحدا بعد واحد. وعلى ذلك يخرج قوله: " اللّهم صل على مُحَمَّد "، أمرهم أن يجعلوا الصلاة على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ولما لم يجعل في وسعهم القيام بما يستحقه أمروا أن يقولوا: " اللّهم صل على مُحَمَّد "؛ ليكون هو المتولي ذلك بنفسه، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاسْتَغْفِرْهُ}: قال أبو بكر الأصم: دل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاسْتَغْفِرْهُ} على أن كان منه تقصير وتفريط في أمره حتى أمره بالاستغفار عن ذلك. لكن هذا كلام [وخش]؛ لا يصف رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالتقصير في شيء، ولا بالتفريط في أمر قط، ولكن قد جعل اللّه - تعالى - على كل أحد من نعمه وفضله وإحسانه في طرفة عين ولحظة بصر ما ليس في وسعه وطاقته القيام بشكر واحد منها، وإن لطف، وإن طال عمره؛ فأمره بالاستغفار؛ لما يتوهم منه التقصير في أداء شكر نعمه عن القيام بذلك. أو أن يكون لأمته لا لنفسه. فإن قال قائل: ما معنى أمره بالاستغفار، وقد ذكر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه يجوز أن يكون أمر بالاستغفار لأمته، نحو قوله - تعالى -: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. أو أن يكون اللّه - تعالى - وعد له المغفرة إذا لزم الاستغفار، ودام عليه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}: أي: كان لم يزل توابا، ليس أن صار توابا بأمر اكتسبه وأحدثه، على ما تقول المعتزلة: إنه صار توابا. ثم قوله: {تَوَّابًا}، على التكثير، أي: يقبل توبة بعد توبة، أي: إذا تاب مرة، ثم ارتكب الجرم وعصاه؛ ثم تاب ثانيا، وثالثا، وإن كثر؛ فإنه يقبل توبته. والثاني: {تَوَّابًا}، أي: رجَّاعا يرجعهم ويردهم عن المعاصي، إلى أن يتوبوا، أي: هو الذي يوفقهم على التوبة. ثم قال: {تَوَّابًا}، ولم يقل: " غفارًا "، وحق مثله من الكلام أن يقال: " إنه كان غفار "؛ كما قال في آية أخرى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}، ولكن المعنى فيه عندنا: أن المراد من الاستغفار ليس قوله: " أستغفر اللّه "، ولكن أن يتوب إليه، ويطلب منه المغفرة بالتوبة؛ {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. ويجوز أن يكون فيه إضمار؛ كأنه قال: " واستغفره، وتب إليه؛ إنه كان توابا ". ويجوز أن يستغنى بذكر الاستغفار في السؤال عن ذكره في الجواب، وأحرى أن يستغنى بذكر التوبة في الجواب عن ذكرها في السؤال، وقد يجوز مثل هذا في الكلام. ثم الدِّين اسم يقع على ما يدين به الإنسان، حقا كان أو باطلا، وعلى ذلك أضاف النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما كان يدين به إلى نفسه، وما دان به الكفرة إليهم، حيث قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وأما إضافته إلى اللّه - تعالى - حيث قال: {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّه أَفْوَاجًا} الآية؛ لأنه الدِّين الذي أمرهم به، ودعاهم إليه؛ لذلك خرجت الإضافة والنسبة إليه، واللّه أعلم بالصواب. * * * |
﴿ ٣ ﴾