٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) له وجهان:

أحدهما: من شر خلقه؛ لما أضاف إلى فعله؛ كما يقال: " من شر فعل فلان "، أي: من شر ما يفعله.

ويحتمل من شر يكون من خلقه، لكن الإضافة إليه بما هو خالق كل شيء من فعل خلقه، ومن خلق ما له الفعل ولا فعل.

والأول كأنه أقرب؛ لما ذكر في بقية السورة من الواقع بخلقه المكتسب من جهتهم، وأضيف إليه؛ لما بينا، ولأن كل شر اكتسبه الخلق فذلك منسوب إلى اللّه - تعالى - خلقا، وهو فعل المكتسب وكسبه، فمتى كان المراد من قوله - تعالى -: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} هذا النوع؛ فكأن ذكر ما بعده يكون تكريرا.

وإذا حمل الأول على محض التخليق فيما لا صنع للخلق فيه من الشرور، كان ذكر ما لهم صنع فيه -وإن كان بخلق اللّه تعالى، لا يكون تكريرا- فيكون هذا التأويل أحق، مع ما قد بينا أنه يمنع في فعل غيره بلطف، أو إعجاز، وفي الإعجاز لا يحتمل التعوذ من شر من لا يقدر على فعل يتصل به الشر، وفي ذلك إثبات التمكين لما يقع به الشر؛ فيجوز التعوذ من الذي منه أذية تكون من غيره، على ما بينا من جواز الأمر والنهي عن

أفعال لمكان ما يقع بها، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم؛ فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه، وهو التمكين واللّه الموفق والمعين.

وفي هذا تعلق بعض من يقول بأن القوة تسبق الفعل: أنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر من لا يقوى عليه؟.

والجواب من وجهين:

أحدهما: أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل، وهو الآلات السليمة والقدر تحدث تباعًا على حدوث الأفعال، وتحدث لما يختار هو؛ فصارت القدرة في كونها لما يختار؛ ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل؛ فيتعوذ منه؛ لعلمه أن الذي به كأنه في يده.

والثاني: أن قد جرت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف: كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة؛ ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة، على ما بينهم من بعد الأمكنة وطول المدد؛ لإمكان الوصول بما اعتيد منهم بلوغ أمثال ذلك، وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة، لا تبقى في مثل هذه المدة؛ فعلى ذلك الأمر الأول:

﴿ ٢