٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤):

فهذا تعوذ من شرهم بحسب سببه، لكنه في الحقيقة فعل لهم، وفي الأول يقع سببه بلا صنع لهم، فكأنه في الجملة أمر بالتعوذ من كل سبب خيف تولد الشر منه، فعلا كان ذلك له أو لم يكن؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه الْغَرُورُ}، وقد يكون للشيطان فعل في الحقيقة، ولا يكون للحياة الدنيا فعل؛ فوقع النهي عن الاغترار بهما؛ فعلى ذلك التعوذ من شر الأمرين وإن لم يكن لأحدهما فعل بما يقع فيه.

وجائز أن يكون من هذا الوجه في الملائكة محنة في الدفع والحفظ؛ لقوله - عز وجل -: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه}، قيل فيه: أي: بأمر اللّه يقع حفظه؛ فجائز أن يكون في هذه الأمور الخفية، وأنواع المضار من حيث لا يعلم إلا بعد جهد يقع الحفظ باللّه - تعالى - على استعمال الملائكة.

وعلى ذلك يجوز أن يكون أمر سلامة المطاعم والمشارب والمنافع التي للبشر عن إفساد الجن، يحفظ ما ذكر؛ ليكون فيها محنة للملائكة، على ما كان مكان وسواس الشيطان إيقاظ الملائكة ومعونتهم.

ويحتمل أن يكون اللّه - تعالى - لم يمكنهم إفساد ما ذكرنا وإن مكنهم الوسواس؛ إذ باللطف يمنع من حيث لايعلم.

وقيل - أيضا -: من أمر اللّه: عذابه وأنواع البلايا إلى وقت إرادة اللّه - تعالى - الوقوع.

﴿ ٤