٣

وأما { الرحمن الرحيم } ، فهما اسمان من أسماء اللّه تعالى ، والرحيم فيها اسم مشتق من صفته .

وأما الرحمن ففيه قولان :

أحدهما : أنه اسم عبراني معرب ، وليس بعربي ، كالفسطاط رومي معرب ، والإستبرق فارسي معرب ، لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم ، لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم ، وقالوا ما حكاه اللّه تعالى عنهم : {. . . وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } " [ الفرقان : ٦٠ ] ، وهذا قول ثعلب واستشهد بقول جرير :

أو تتركون إلى القسّين هجرتكم

ومسحكم صلبهم رحمن قربانا

قال : ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم ، ليزول الالتباس ، فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته ، لكن قدَّم الرحمن لمبالغته .

والقول الثاني : أن الرحمن اسم عربي كالرحيم لامتزاج حروفهما ، وقد ظهر ذلك في كلام العرب ، وجاءت به أشعارهم ، قال الشنفري :

أَلاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَا

أَلاَ ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا

فإذا كانا اسمين عربيين فهما مشتقان من الرحمة ، والرحمة هي النعمة على المحتاج ، قال اللّه تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } " [ الأنبياء : ١٠٧ ] ، يعني نعمةً عليهم ، وإنما سميت النعمةُ رحمةً لحدوثها عن الرحمة .

والرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم ، لأن الرحمن يتعدى لفظه ومعناه ، والرحيم

لا يتعدى لفظه ، وإنما يتعدى معناه ، ولذلك سمي قوم بالرحيم ، ولم يتَسَمَّ أحدٌ بالرحمن ، وكانت الجاهليةُ تُسمِّي اللّه تعالى به وعليه بيت الشنفرى ، ثم إن مسيلمة الكذاب تسمَّى بالرحمن ، واقتطعه من أسماء اللّه تعالى ، قال عطاء : فلذلك قرنه اللّه تعالى بالرحيم ، لأن أحداً لم يتسمَّ بالرحمن الرحيم ليفصل اسمه عن اسم غيره ، فيكون الفرق في المبالغة ، وفرَّق أبو عبيدة بينهما ، فقال بأن الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم .

واختلفوا في اشتقاق الرحمن والرحيم على قولين :

أحدهما : أنهما مشتقان من رحمة واحدةٍ ، جُعِل لفظ الرحمن أشدَّ مبالغة من الرحيم .

والقول الثاني : أنهما مشتقان من رحمتين ، والرحمة التي اشتق منها الرحمن ، غير الرحمة التي اشتق منها الرحيم ، ليصح امتياز الاسمين ، وتغاير الصفتين ، ومن قال بهذا القول اختلفوا في الرحمتين على ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الرحمن مشتق من رحمة اللّه لجميع خلقه ، والرحيم مشتق من رحمة اللّه لأهل طاعته .

والقول الثاني : أن الرحمن مشتق من رحمة اللّه تعالى لأهل الدنيا والآخرة ، والرحيم مشتق من رحمتِهِ لأهل الدنيا دُون الآخرة .

والقول

الثالث : أن الرحمن مشتق من الرحمة التي يختص اللّه تعالى بها دون عباده ، والرحيم مشتق من الرحمة التي يوجد في العباد مثلُها .

﴿ ٣