٤قوله تعالى : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قرأ عاصم والكسائي { مالِكِ } وقرأ الباقون { مَلِك } وفيما اشتقا جميعاً منه وجهان : أحدهما : أن اشتقاقهما من الشدة ، من قولهم ملكت العجين ، إذا عجنته بشدة . والثاني : أن اشتقاقهما من القدرة ، قال الشاعر : مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا والفرق بين المالك والملك من وجهين : أحدهما : أن المالك مَنْ كان خاصَّ المُلكِ ، والملِك مَنْ كان عَامَّ المُلْك . والثاني : أن المالك من اختص بملك الملوك ، والملك من اختص بنفوذ الأمر . واختلفوا أيهما أبلغ في المدح ، على ثلاثة أقاويل : أحدها : أن المَلِك أبلغ في المدح من المالك ، لأنَّ كلَّ مَلِكٍ مالِكٌ ، وليسَ كلُّ مالِكٍ ملِكاً ، ولأن أمر الملِكِ نافذ على المالِكِ . والثاني : أن مالك أبلغ في المدح من مَلِك ، لأنه قد يكون ملكاً على من لا يملك ، كما يقال ملك العرب ، وملك الروم ، وإن كان لا يملكهم ، ولا يكون مالكاً إلا على من يملك ، ولأن المَلِك يكون على الناس وغيرهم والثالث : وهو قول أبي حاتم ، أن مَالِك أبلغ في مدح الخالق من مَلِك ، ومَلِك أبلغ من مدح المخلوق من مالك . والفرق بينهما ، أن المالك من المخلوقين ، قد يكون غير ملك ، وإن كان اللّه تعالى مالكاً كان ملكاً ، فإن وُصف اللّه تعالى بأنه ملك ، كان ذلك من صفات ذاته ، وإن وصف بأنه مالك ، كان من صفات أفعاله . وأما قوله تعالى : { يَوْمِ الدِّينِ } ففيه تأويلان : أحدهما : أنه الجزاء . والثاني : أنه الحساب . وفي أصل الدين في اللغة قولان : أحدهما : العادة ، ومنه قول المثقَّب العَبْدِي : تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي أَهذَا دِينُهُ أَبَداً وَدينِي أي عادته وعادتي . والثاني : أنَّ أصل الدين الطاعة ، ومنه قول زهير بن أبي سُلمى : لَئِن حَلَلْتَ بِجَوٍّ في بَنِي أَسَدٍ في دِينِ عَمْرٍو وَمَالتْ بَيْنَنَا فَدَكُ أي في طاعة عمرو . وفي هذا اليوم قولان : أحدهما : أنه يوم ، ابتداؤه طلوع الفجر ، وانتهاؤه غروب الشمس . والثاني : أنه ضياء ، يستديم إلى أن يحاسب اللّه تعالى جميع خلقه ، فيستقر أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . وفي اختصاصه بملك يوم الدين تأويلان : أحدهما : أنه يوم ليس فيه ملك سواه ، فكان أعظم من مُلك الدنيا التي تملكها الملوك ، وهذا قوله الأصم . والثاني : أنه لما قال : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، يريد به ملك الدنيا ، قال بعده : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يريد به ملك الآخرة ، ليجمع بين ملك الدنيا والآخرة . |
﴿ ٤ ﴾