١٩

قوله عز وجل : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ } في الصيِّبِ تأويلان :

أحدهما : أنه المطر ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود .

والثاني : أنه السحاب ، قال علقمة بن عبدة :

كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ

صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ

فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍ

سُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ

وفي الرعد ثلاثة أوجه :

 أحدها :

أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث ، كما ينعق الراعي بغنمه ، فَسُمِّيَ الصوتُ رعداً باسم ذلك المَلك ، وبه قال الخليل .

والثاني : أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت ، وهو قول ابن عباس .

والثالث : أنه صوت اصطكاك الأجرام .

وفي البرق ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد ، وهو قول علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه .

والثاني : أنه ضربه بسوطٍ من نور ، وهذا قول ابن عباس .

والثالث : أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام .

والصواعق جمع صاعقة ، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار ، تحرق ما أتت عليه .

وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل :

أحدها : أنه مَثَلٌ للقرآن ، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن ، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء ، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر ، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان ، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل ، والدعاء إلى الجهاد في العاجل ، وهذا المعنى عن ابن عباس .

والثاني : أنه مَثَلٌ ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم ، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم ، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل .

والثالث : أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق ، ومثل ما فيه من

الظلمات بصلابته ، وما فيه من البرق بنور إيمانه ، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه .

﴿ ١٩