٢٦

قوله عز وجل : { إِنَّ اللّه لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فما فوقها } .

في قوله : { لاَ يَسْتَحْيِي } ثلاثةُ تأويلاتٍ :

أحدها : معناه لا يترك ( ١٢١ ) .

والثاني : [ يريد ] لا يخشى .

والثالث : لا يمتنع ، وهذا قول المفضل .

وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من موَاقَعَةِ القبح .

والبعوضة : من صفار البقِّ سُميت بعوضة ، لأنها كبعض البقَّة لصِغَرِها .

وفي قوله : { مَا بَعُوضَةً } ثلاثةُ أوجُهٍ :

أحدها : أن { ما } بمعنى الذي ، وتقديره : الذي هو بعوضة .

والثاني : أن معناه : ما بين بعوضة إلى ما فَوْقها .

والثالث : أن { ما } صلةٌ زائدةٌ ، كما قال النابغة :

قَالَتْ أَلاَ لَيْتُمَا هذَا الْحَمَامُ لَنَا

إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ

{ فَمَا فَوْقَهَا } فيه تأويلان :

أحدهما : فما فوقها في الكبر ، وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ .

والثاني : فما فوقها في الصغر ، لأن الغرض المقصود هو الصغر . وفي المثل ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه وارد في المنافقين ، حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين : مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً ، وقوله : أو كصيِّب من السماء ، فقال المنافقون : إن اللّه أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل اللّه تعالى : { إِنَّ اللّه لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } ، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس .

والثاني : أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ اللّه تعالى مثلاً للدنيا وأهلها ، وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت ، وإذا شبعت ماتت ، كذلك مثل أهل الدنيا ، إذا امتلأوا من الدنيا ، أخذهم اللّه تعالى عند ذلك ، وهذا قول الربيع بن أنس .

والثالث : أن اللّه عز وجل حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً ، قال أهل الضلالة : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ، وهذا قول قتادةَ ، وتأويل الربيع أحسن ، والأولُ أشبَهُ .

قوله عز وجل : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } فيه ثلاثةُ تأويلات :

أحدها : معناه بالتكذيب بأمثاله ، التي ضربها لهم كثيراً ، ويهدي بالتصديق بها كثيراً .

والثاني : أنه امتحنهم بأمثاله ، فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم ، واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم .

والثالث : أنه إخبار عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى .

﴿ ٢٦