٢٧

قوله عز وجل : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } .

أما النقض ، فهو ضد الإبرام ، وفي العهد قولان :

أحدهما : الوصيَّة .

والثاني : الموثق .

والميثاق ما وَقَعَ التوثق به .

وفيما تضمنه عهده وميثاقه أربعة أقاويل :

أحدها : أن العهد وصية اللّه إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعة ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصية في كتبه ، وعلى لسان رسله ، ونقضهم ذلك بترك العمل به .

والثاني : أن عهده ما خلقه في عقولهم من الحجة على توحيده وصدق رسله بالمعجزات الدالة على صدقهم .

والثالث : أن عهده ما أنزله على أهل الكتاب [ من ] ، على صفة النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، والوصية المؤكدة باتباعه ، فذلك العهد الذي نقضوه بجحودهم له بعد إعطائهم اللّه تعالى الميثاق من أنفسهم ، ليبينه للناس ولا يكتمونه ، فأخبر سبحانه ، أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً .

والرابع : أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم ، الذي وصفه في

قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا } " [ الأعراف : ١٧٢ ] .

وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان :

أحدهما : أنها كناية ترجع إلى اسم اللّه وتقديره من بعد ميثاق اللّه .

والثاني : أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد .

وفيمن عَنَاهُ اللّه تعالى بهذا الخطاب ، ثلاثة أقاويل :

أحدها : المنافقون .

والثاني : أهل الكتاب .

والثالث : جميع الكفار .

قوله عز وجل : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّه بِهِ أَنْ يُوصَلَ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن الذي أمر اللّه تعالى به أن يوصل ، هو رسوله ، فقطعوه بالتكذيب والعصيان ، وهو قول الحسن البصري .

والثاني : أنَّه الرحمُ والقرابةُ ، وهو قول قتادة .

والثالث : أنه على العموم في كل ما أمر اللّه تعالى به أن يوصل .

قوله عز وجلَّ : { وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ } وفي إفسادهم في الأرض قولان :

أحدهما : هو استدعاؤهم إلى الكفر .

والثاني : أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق .

وفي قوله : { أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } قولان :

أحدهما : أن الخسران هو النقصان ، ومنه قول جرير :

إِنَّ سليطاً في الْخَسَارِ إِنَّهُ

أَوْلاَدُ قَوْمٍ حلفوا افنه

يعني بالخَسَار ، ما ينقُصُ حظوظهم وشرفهم .

والثاني : أن الخسران ها هنا الهلاك ، ومعناه : أولئك هم الهالكون .

ومنهم من قال : كل ما نسبه اللّه تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر ، وما نسبه إلى المسلمين ، فإنما يعني به الذنب .

﴿ ٢٧