٢٨

قوله عز وجل : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } .

في قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه } قولان :

أحدهما : أنه خارج مخرج التوبيخ .

والثاني : أنه خارج مخرج التعجب ، وتقديره : اعجبوا لهم ، كيف يكفرون

وفي قوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } ستة تأويلات :

أحدها : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } أي لم تكونوا شيئاً ، { فَأَحْيَاكُمْ } أي خلقكم ، { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم ، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يوم القيامة ، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود .

والثاني : أن قوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } يعني في القبور { فَأَحْيَاكُمْ } للمساءلة ، { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } في قبوركم بعد مساءلتكم ، ثم يحييكم عند نفخ الصور للنشور ، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياةٍ ، وهذا قول أبي صالح .

والثالث : أن قوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } يعني في أصلاب آبائكم ، { فَأَحْيَاكُمْ } أي أخرجكم من بطون أمهاتكم ، { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } الموتة التي لا بد منها ، { ثُم يُحْيِيكُمْ } للبعث يوم القيامة ، وهذا قول قتادة .

والرابع : أن قوله : { وَكُنْتُمْ أَمْواتاً } يعني : أن اللّه عز وجل حين أخذ الميثاق على آدم وذريته ، أحياهم في صلبه وأكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم ، ثم أحياهم وأخرجهم من بطون أمهاتهم ، وهو معنى

قوله تعالى : { يَخْلُقْكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ } " [ الزمر : ٦ ] فقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } يعني بعد أخذ الميثاق ، { فَأَحْيَاكُمْ } بأن خلقكم في بطون أمهاتكم ثم أخرجكم أحياء ، { ثم يُمِيتُكُمْ } بعد أن تنقضي آجالكم في الدنيا ، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بالنشور للبعث يوم القيامة ، [ وهذا ] قول ابن زيدٍ .

والخامس : أن الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة ، فهي مَيِّتَةٌ من حين فراقها من جسده إلى أن ينفخ الروح فيها ، ثم يحييها بنفخ الروح فيها ، فيجعلها بشراً سويّاً ، ثم يميته الموتة الثانية بقبض الروح منه ، فهو ميت إلى يوم ينفخ في الصور ، فيرُد في جسده روحه ، فيعود حياً لبعث القيامة ، فذلك موتتان وحياتان .

والسادس : أن قوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } خاملي الذكر دارسي الأثر ، { فَأَحْيَاكُمْ } بالظهور والذكر ، { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجَالكم ، { ثُمَّ يُحييكُمْ } للبعث ، واستشهد من قال هذا التأويل بقول أبي بُجَيْلَةَ السَّعْدِيِّ :

وَأَحْيَيْتَ مِنْ ذِكْرِي وَمَا كَانَ خامِلاً

وَلكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أنْبَهُ مِنْ بَعْضِ

وفي قوله : { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تأويلان :

أحدهما : إلى الموضع الذي يتولى اللّه الحكم بينكم .

والثاني : إلى المجازاة على الأعمال .

﴿ ٢٨