٥٤وإذ قال موسى . . . . . قوله عز وجل : { فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ } يعني : فارجعوا إلى طاعة خالقكم ، والبارئ الخالق ، والبريَّة الخلق ، وهي فعيلة ، بمعنى مفعولة ، غير أنها لا تهمز . واختلفوا في هذه التسمية على أربعة أقاويل : أحدها : أنها مأخوذة من برأ اللّه الخلْق ، يبرَؤُهُم برءاً . والثاني : أنها فعلية من البرء ، وهو التراب . والثالث : أنها مأخوذة من برئ الشيء من الشيء ، وهو انفصاله عنه ، ومنه البراءة من الدين لانفصاله عنه ، وأبرأه اللّه من المرض ، إذا أزاله عنه . وقوله تعالى : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } فيه تأويلان : أحدهما : معناه : ليقتل بعضكم بعضاً ، وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبيرٍ ، ومجاهد . والثاني : استسلموا للقتل ، وجعل ذلك بمنزلة القتل ، وهذا قول أبي إسحاق . وأصل القتل : إماتةُ الحركة ، ومنه : قتلت الخمر بالماء ، إذا مَزَجتها ، لأنك أمتَّ حركتها ، وإنما جُعل القتل توبة ، لأن من كفَّ عن الإنكار لعبادة العجل ، إنما كف خوفاً من القتال والقتل ، فجُعِلَت توبتهم بالقتل ، الذي خافوه ، هكذا قال ابن جريج . قال ابن عباسٍ : احْتَبَى الَّذِين عكفوا على العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكُفُوا عليه ، وأخذوا الخناجر ، وأصابتهم ظلمة فجعل بعضهم يقتل بعضاً ، حتى انجلت الظلمة من سبعين ألفَ قتيلٍ في ساعة من نهار ، وكانوا ينادون في تلك الحال : رحم اللّه عبداً صبر حتى يبلغ اللّه رضاه ، فحزِن موسى وبنو إسرائيل لذلك القتل ، فأوحى اللّه عز وجل إلى موسى : لا تحزن ، أَمَّا من قُتِل منكم فأحياء عندي يرزقون ، وأَمًّا من بقِيَ فقد قُبِلَتْ توبته ، فَبَشَّرَ بذلك بني إسرائيل . |
﴿ ٥٤ ﴾