٦١

وإذ قلتم يا . . . . .

قوله تعالى : { وَفُومِهَا } فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ :

أحدها : أنه الحنطة ، وهو قول ابن عباسٍ ، وقتادة ، والسدي ، وأنشد ابن عباسٍ مَنْ سأله عن الفوم ، وأنه الحُنْطة قَوْلَ أُحيحة بن الجُلاح :

قَدْ كُنْتُ أَغْنَىَ النَّاسِ شَخْصاً وَاحِداً

وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومٍ

والثاني : أنَّه الخُبز ، وهو قول مجاهد ، وابن زيد ، وعطاء .

والثالث : أنه الثومُ بالثاء ، وذلك صريح في قراءة ابن مسعود ، وهو قول الربيع بن أنس والكسائي .

قوله تعالى : { اهْبِطُوا مِصْراً } : قرأ عامةُ القُرّاءِ بالتنوين ، وقرأ بعضهم بغير تنوين ، وهي كذلك ، وقراءة ابن مسعود بغير ألف .

وفي المصر الذي عناه قولان :

أحدهما : أنه أراد أيَّ مِصْرٍ ، أرادوا من غير تعيين ؛ لأنَّ ما سألوا من البقل والقثَّاء والفوم ، لا يكون إلا في الأمصار ، وهذا قول قتادة ، والسدي ومجاهد ، وابن زيد .

والثاني : أنه أراد مصر فرعون ، الذي خرجوا منه ، وهذا قول الحسن ، وأبي العالية والربيع .

واختلف في اشتقاق المِصْرِ ، فمنهم من قال : إنه مشتق من القطع ، لانقطاعه بالعمارة ، ومنهم من قال : إنه مشتق من الفصل بينه وبين غيره ، قال عدي بن زيد :

وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْراً لاَ خَفَاءَ بِهِ

بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلاَ

وفي قوله تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } تأويلان :

أحدهما : أنَّه من الذِّلَّة والصغار .

والثاني : أنَّه فَرَضَ الجِزْيَةَ عليهم ، وهذا قول الحسن وقتادة .

وفي { المسكنة } تأويلان :

أحدهما : أنها الفاقة ، وهو قول أبي العالية .

والثاني : أنه الفقر ، وهو قول السدي .

وفي قوله تعالى : { وَباءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللّه } ثلاثة تأويلات :

أحدها : وهو قول أبي العباس المَبِّرد : أن أصل ذلك : المنزلة ، ومعناه أنهم نزلوا بمنزلة غضب اللّه ، ورُوي : أن رجلاً جاء برجلٍ إلى النبيِّ ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فقال : هذا قاتل أخي ، قال { فَهُوَ بَوَاءٌ بِهِ } أي أنه مقتول ، فيصير في منزلته ، وتقول ليلى الأخيليَّةُ :

فَإِنْ يَكُنِ الْقَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ

فَتىً مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ

والثاني : وهو قول أبي إسحاق الزجّاج : أن أصل ذلك التسوية ، ومعناه : أنهم تساووا بغضب من اللّه ، ومنه ما يروى عن عبادة بن الصامت قال : { جعل اللّه الأنفال إلى نبيِّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فقسمها بينهم على بَوَاءٍ } ، أي على سواء بينهم في القسم .

والثالث : وهو قول الكسائي ، أن معناه أنهم رجعوا بغضب من اللّه ، قال : البواء : الرجوع ، إلا أنه لا يكون رجوعاً إلا بشيء : إمَّا بشرٍّ ، وإِمَّا بخيرٍ .

وفي قوله تعالى : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } قولان :

أحدهما : أن اللّه عز وجل ؛ إنما جاز أن يُخَلِّيَ بين الكُفَّار وقتلِ الأنبياء ، لينالوا من رفيع المنازل ما لا ينالونه بغيره ، وليس ذلك بخذلان لهم ، كما يفعل بالمؤمنين من أهل طاعته . والثاني : وهو قول الحسن ، أن اللّه عز وجل ، ما أمر نبيّاً بالحرب إلا نَصَرَهُ فلم يُقتَلْ ، وإنما خلَّى بين الكفار وبين قتل مَنْ لم يؤمر بالقتال مِنَ الأنبياء .

و { الأنبياء } جمعُ { نبيٍّ } وقد جاء في جمع { نبيٍّ } : { نُبَّاء } ، قال العباس ابن مرداس السُّلمي ، يمدح النبيَّ ( صلى اللّه عليه وسلم ) :

يَا خَاتَمَ النُّبِّاءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ

بِالْحَقِّ حَيْثُ هُدَى آلإْلهِ هَدَاكَا

وهو غير مهموز في قراءة الجمهور إلا نافعاً ، فإنه قرأ الأنبياء ، والنبيئين بالهمز .

وفيما أُخذ منه اسمُ النبيِّ ، ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه مأخوذ من النبأ ، وهو الخبر ، لأنه يُنْبِئُ عن اللّه ، أي يُخْبِرُ ، ومنه

قوله تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى } " [ النجم : ٣٦ ] .

والثاني : أن أصل النبيِّ هو الطريق ، قال القطامي :

لَمَّا وَرَدْنَا نبِيَاً وَاسْتَتَبَّ لَنَا

مُسْتَحْفَرٌ بِخُطُوطِ النَّسْجِ مُنْسَجِلُ

فَسُمِّيَ رسُول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) نبيّاً ، لأنه الطريق إليه .

والثالث : أنه مأخوذ من النُّبُوَّةِ ؛ لأن منزلة الأنبياء رفيعة .

﴿ ٦١