٦٢قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } يعني : صدقوا بمحمدٍ ( صلى اللّه عليه وسلم ) . { وَالَّذِينَ هَادُوا } هم اليهود ، وفي تسميتهم بذلك ، ثلاثة أقاويل : أحدها : نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب ، فقلبت العربُ الذال دالاً ، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت ، غيرت من لفظها . والثاني : أنه مأخوذ من قولهم : هَادَ القومُ يَهُودُون هَوْدَةً وهِيَادةً ، إذا تابوا ، قال زهير : سِوَى مَرْبَعٍ لَمْ تَأْتِ فِيهِ مَخَافَةً وَلاَ رَهَقاً مِنْ عَابِدٍ مُتَهَوِّدِ يعني من عابد تائب ، فسموا يهوداً لتوبتهم من عبادة العجل . والثالث : أنهم سُمُّوا يهوداً ، من أجل قولهم : إِنَّا هُدْنا إليك ، وهذا قول ابن جُرَيج . و { والنصارى } ، جمع وواحده { نصرانيٌّ } ، وقيل : { نصران } بإسقاط الياء ، وهذا قول سيبويه ، وقال الخليل بن أحمد : واحده نصْرِي ، والأول هو المستعمل . وفي تسميتهم بذلك ، ثلاثة أقاويل : أحدها : أنهم سُمُّوا بذلك ، لقريةٍ تُسَمَّى { ناصرة } ، كان ينزلها عيسى عليه السلام ، فَنُسِبَ إليها ، فقيل : عيسى الناصري ، ثم نسب أصحابه إليه فقيل : النصارى ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة . والثاني : أنهم سُمُّوا بذلك ، لنصرة بعضهم لبعضٍ ، قال الشاعر : لمَّا رأيتُ نَبَطاً أَنْصَارَا شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإْزَارَا كُنْتُ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى جَارَا والثالث : أنهم سُمُّوا بذلك ، لقوله : { مَنْ أَنْصَارِي إلى اللّه } . { والصابئين } ، جمع ، واحده : صابئ ، واخْتُلِفَ في همزِهِ ، فهمزه الجمهور إلا نافعاً . واخْتُلِف في المأخوذ منه هذا الاسم ، على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه مأخوذ من الطُّلُوعِ والظُّهُورٍ ، من قولهم : صبأ نابُ البعير ، إذا طلع ، وهذا قول الخليل . والثاني : أن الصابِئ : الخارج من شيء إلى شيءٍ ، فسُمِّي الصابئون بهذا الاسم ، لخروجهم من اليهودية والنصرانية ، وهذا قول ابن زيدٍ . والثالث : أنه مأخوذ من قولهم : صبا يصبو ، إذا مال إلى الشيء وأحبه ، وهذا قول نافع ؛ ولذلك لم يهمز . وَاخْتُلِفِ فيهم : فقال مجاهد ، والحسن ، وابن أبي نجيحٍ : الصابئون بين اليهود والمجوس ، وقال قتادة : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى القِبْلة ، [ ويقرأون الزبور ويصلون الخميس ] وقال السدي : هم طائفة من أهل الكتاب ، وقال الخليل : هم قوم شبيه دينهم بدين النصارى ، إلا أن قبلتهم نَحْوَ مهب الجنوب حيال منتصف النهار ، يزعمون أنهم على دين نوح . وفي قوله تعالى : { مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قولان : أحدهما : أنها نزلت في سلمان الفارسيِّ وأصحابه النصارى الذين كان قد تنصَّر على أيديهم ، قبل مبعث رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث ، وأنهم مؤمنون به إن أدركوه ، وهذا قول السدي . والثاني : أنها منسوخة ب قوله تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } " [ آل عمران : ٨٥ ] ، وهو قول ابن عباس . فإن قيل : فَلِمَ قال : { وَعَمِلَ صَالِحاً } على التوحيد ، ثم قال : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } على الجمع ؟ قيل : لأن اللفظ { مَنْ } لفظ الواحد ، ومعناه الجمع ، فمرةً يجمع على اللفظ ، ومرةً يجمع على المعنى ، قال الشاعر : أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا وَقُولاَ : لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا |
﴿ ٦٢ ﴾