١٠٦

قوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } في { معنى } نسخها ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنه قبضها ، وهو قول السدي .

والثاني : أنه تبديلها ، وهو قول ابن عباس .

والثالث : أنه إثبات خطها وتبديل حكمها ، وهو قول ابن مسعود .

{ أَوْ نُنسِهَا } فيه قراءتان :

أحدهما : هذه ، والثانية : { أو ننسأها } .

فمن قرأ : { أو ننسها } ففي تأويله أربعة أوجه :

أحدها : أنه بمعنى أو نمسكها ، وقد ذكر أنها كانت في مصحف عبد اللّه ابن مسعود : { ما نُمْسِكُ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نَنْسَخْهَا نَجِيءُ بِخَيرٍ مِنْهَا أَو مِثْلِهَا } وذلك أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، كان يقرأ الآية ، ثم يَنْسَى وَتُرْفَعُ ، وكان سعد بن أبي وقاص

يقرأ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ نَنَسَهَا } ، بمعنى الخطاب لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فيكون تقديره أو تنسى أنت يا محمد ، وقال القاسم بن ربيعة لسعد بن أبي وقاص : فإن سعيد بن المسيب يقرأ : { أو ننسها } ، فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على ابن المسيب ، ولا على آل المسيب قال اللّه تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } " [ الأعلى : ٦ ] { وآذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } " [ الكهف : ٢٤ ] وهذا معنى قول مجاهد وقتادة .

والثاني : أن ذلك بمعنى الترك ، من

قوله تعالى : { نَسُوا اللّه فَنَسِيَهُم } ، أي تركوه فتركهم ، فيكون تقدير الكلام : { ما ننسخ من آية } يعني نَرفَعُها ونبدِّلُها ، { أو نُنْسِهَا } أي نتركها ولا نبدلها ولا ننسخها ، وهذا قول ابن عباس والسدي .

والثالث : أن قوله ما ننسخ من آية أو ننسها قال : الناسخ والمنسوخ ، وهذا قول الضحاك .

والرابع : أن معنى ننسها أي نَمْحُها ، وهذا قول ابن زيد .

وأما من قرأ : { أو نَنْسَأُهَا } فمعناه نؤخرها ، من قولهم نَسَأْتُ هذا الأمر ، إذا أخرته ، ومن ذلك قولهم : بعت بنسَاءٍ أي بتأخير ، وهذا قول عطاء وابن أبي نجيح .

{ نَأْتِ بِخَيرٍ مِّنْها أو مِثْلِهَا } فيه تأويلان :

أحدهما : أي خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم ، وهذا قول ابن عباس :

والثاني : أن معنى خير منها ، أي أخف منها ، بالترخيص فيها ، وهذا معنى قول قتادة . فيكون تأويل الآية ، ما نغير من حكم آية فنبدله ، أو نتركه فلا نبدله ، نأت بخير لكم أيها المؤمنون حكماً منها ، إما بالتخفيف في العاجل ، كالذي كان من نسخ قيام الليل تخفيفاً ، وإما بالنفع بكثرة الثواب في الآجل ، كالذي كان من نسخ صيام أيام معدودات بشهر رمضان .

وقوله تعالى : { أَوَ مِثْلِهَا } يعني مثل حكمها ، في الخفة والثقل والثواب والأجر ، كالذي كان من نسخ استقبال بيت المقدس ، باستقبال الكعبة ، وذلك

مثله في المشقة والثواب { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٌُ قَدِيرٌ } .

﴿ ١٠٦