١٢٥

قوله تعالى : { وَإذْ جَعَلْنَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ } فيه قولان :

أحدهما : مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة .

والثاني : مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت . وقال الشاعر :

مثاباً لأفناءِ القبائل كلها

تحب إليها اليعملات الذوامل

وفي رجوعهم إليه وجهان :

أحدهما : أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة .

والثاني : أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم ؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق .

قال تعالى : { وَأَمْناً } فيه قولان :

أحدهما : لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب ، لقوله : { وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ } " [ قريش : ٤ ] .

والثاني : لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه .

{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } روى حماد ، عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : قلت يا رسول اللّه ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فأنزل اللّه تعالى : { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } بكسر الخاء

من قوله واتخذوا على وجه الأمر ، وقرأ بعض أهل المدينة : { وَاتَّخّذُوا } بفتح الخاء على وجه الخبر .

واختلف أهل التفسير في هذا المقام ، الذي أُمِرُوا باتخاذه مصلى ، على أربعة أقاويل :

أحدها : الحج كله ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنه عرفة ومزدلفة والجمار ، وهو قول عطاء والشعبي .

والثالث : أنه الحرم كله ، وهو قول مجاهد .

والرابع : أنه الحجر الذي في المسجد ، وهو مقامه المعروف ، وهذا أصح .

وفي قوله : { مُصَلَّى } تأويلان :

أحدهما : مَدْعَى يَدْعِي فيه ، وهو قول مجاهد .

والثاني : أنه مصلى يصلي عنده ، وهو قول قتادة ، وهو أظهر التأويلين .

قوله تعالى : { وَعَهِدْنآ إِلى إبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ } فيه تأويلان :

أحدهما : أي أَمَرْنَا .

والثاني : أي أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل .

{ أنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : من الأصنام .

والثاني : من الكفار .

والثالث : من الأنجاس .

وقوله تعالى : { بَيْتِيَ } يريد البيت الحرام .

فإن قيل : فلم يكن على عهد إبراهيم ، قبل بناء البيت بيت يطهر ، قيل : عن هذا جوابان :

أحدهما : معناه وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطَهَّراً ، وهذا قول السدي .

والثاني : معناه أن طهرا مكان البيت .

{ لِلطَّائِفِينَ } فيهم تأويلان :

أحدهما : أنهم الغرباء الذين يأتون البيت من غربة ، وهذا قول سعيد بن جبير .

والثاني : أنهم الذين يطوفون بالبيت ، وهذا قول عطاء .

{ وَالْعَاكِفِينَ } فيهم أربعة تأويلات :

أحدها : أنهم أهل البلد الحرام ، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة .

والثاني : أنهم المعتكفون وهذا قول مجاهد .

والثالث : أنهم المصلون وهذا قول ابن عباس .

والرابع : أنهم المجاورون للبيت الحرام بغير طواف ، وغير اعتكاف ، ولا صلاة ، وهذا قول عطاء .

{ والرُّكَّعِ السُّجُودِ } يريد أهل الصلاة ، لأنها تجمع ركوعاً وسجوداً .

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً } يعني مكة { وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } ليجمع لأهله الأمن والخصب ، فيكونوا في رغد من العيش .

{ مَنْ ءَآمَنَ مِنْهُم بِاللّه } فيه وجهان :

أحدهما : أن هذا من قول إبراهيم متصلاً بسؤاله ، أن يجعله بلداً آمناً ، وأن يرزق أهله الذين آمنوا به من الثمرات ، لأن اللّه تعالى قد أعلمه بقوله : { لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أن فيهم ظالماً هو بالعقاب أحق من الثواب ، فلم يسأل أهل المعاصي سؤال أهل الطاعات .

﴿ ١٢٥