١٢٦

والوجه الثاني : أنه سؤاله كان عاماً مرسلاً ، وأن اللّه تعالى خص الإجابة لمن آمن منهم باللّه واليوم الآخر ، ثم استأنف الإخبار عن حال الكافرين ، بأن قال : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً } يعني في الدنيا .

{ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ } يعني بذنوبه إن مات على كفره .

واختلفوا في مكة ، هل صارت حراماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت فيه كذلك ؟ على قولين :

أحدهما : أنها لم تزل حرماً مِنَ الجَبَابِرَةِ والمُسَلَّطِينَ ، ومن الخسوف والزلازل ، وإنما سأل إبراهيم ربَّه : أن يجعله آمناً من الجذب والقحط ، وأن يرزق أهله من الثمرات ، لرواية سعيد بن المقبري ، قال : سمعت أبا شريح الخزاعي يقول : إن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) لما افتتح مكة ، قتلت خزاعة رجلاً من هذيل ، فقام رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) خطيباً فقال : { يأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّه تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللّه وَاليومِ الآخرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيها دَماً أَوْ يُعَضِّدُ بِهَا شَجَراً ، وَأَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَباً عَلَى أَهْلِهَا ، ألاَ وَهِيَ قَدْ رَجِعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالأَمْسِ ، ألاَ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ . فَمَنْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللّه قَدْ قَتَلَ بِهَا فَقُولُوا : إنَّ اللّه تَعَالَى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكْ } والثاني : أن مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم ، كسائر البلاد ، وأنها

بدعوته صارت حرماً آمنا ، وبتحريمه لها ، كما صارت المدينة بتحريم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) حراماً ، بعد أن كانت حلالاً ، لرواية أشعب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه سلم قال : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَ اللّه وَخَلِيله ، وَإِنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا عَضَاهَا وَصَيْدُهَا ، لاَ يُحْمَلُ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ ، وَلاَ يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرٌ لَعَلَفٍ }

قوله تعالى : { وَإَذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } أول من دله اللّه تعالى على مكان البيت إبراهيمُ ، وهو أول من بناه مع إسماعيل ، وأول من حجه ، وإنما كانوا قَبْلُ يصلون نحوه ، ولا يعرفون مكانه .

والقواعد من البيت واحدتها قاعدة ، وهي كالأساس لما فوقها .

﴿ ١٢٦