١٤٢قوله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } السُّفَهَاءُ : واحده سَفِيه ، والسَّفِيهُ : الخفيف الحلم ، من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج ، ورمح سفيه إذا أسرع نفوذه . وفي والمراد بالسفهاء هَا هُنَا ثلاثة أقاويل : أحدها : اليهود ، وهو قول مجاهد . والثاني : المنافقون ، وهو قول السدي . والثالث : كفار قريش وحكاه الزجاج . { مَا ولاَّهم عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } يعني ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، وهي بيت المقدس ، حيث كان يستقبلها رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بمكة ، بعد هجرته إلى المدينة بستة عشر شهراً في رواية البراء بن عازب ، وفي رواية معاذ بن جبل : ثلاثة عشر شهراً ، وفي رواية أنس بن مالك تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، ثم نُسِخَتْ قبلةُ بيت المقدس باستقبال الكعبة ، ورسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بالمدينة في صلاة الظهر وقد صلى منها ركعتين نحو بيت المقدس ، فانصرف بوجهه إلى الكعبة ، هذا قول أنس بن مالك ، وقال البراء بن عازب : كنا في صلاة العصر بقباء ، فمر رجل على أهل المسجد وهم ركوع في الثانية ، فقال : أشهد لقد صَلَّيت مع رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قِبَلَ مكة ، فداروا كما هم قِبَلَ البيت ، وقِبَلُ كل شيءٍ : ما قَابَل وَجْهَه . واختلف أهل العلم في استقبال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بيت المقدس ، هل كان برأيه واجتهاده ، أو كان عن أمر اللّه تعالى لقوله : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التَّي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُوُلَ } ، وهذا قول ابن عباس وابن جريج . والقول الثاني : أنه كان يستقبلها برأيه واجتهاده ، وهذا قول الحسن ، وعكرمة ، وأبي العالية ، والربيع . واختلفوا في سبب اختياره بيت المقدس على قولين : أحدهما : أنه اختار بيت المقدس ليتألَّف أهل الكتاب ، وهذا قول أبي جعفر الطبري . والثاني : لأن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس ، فأحب اللّه أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ، ليعلم من يتبع ممن ينقلب على عَقِبَيْهِ ، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج ، فلما استقبل رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) الكعبة ، قال ابن عباس : أتى رفاعة بن قيس وكعب بن الأشرف والربيع وكنانة بن أبي الحُقَيْقِ ، فقالوا لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملةِ إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها ، نتبعك ونصدقك . وإنما يريدون فتنته عن دينه ، فأنزل اللّه تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيها ؟ قُل : للّه الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ } يعني حيثما أمر اللّه تعالى باستقباله من مشرق أو مغرب والصراط : الطريق : والمستقيم : المستوي . قوله تعالى : { وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } . فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : يعني خياراً ، من قولهم فلان وسط الحَسَبِ في قومه ، إذا أرادوا بذلك الرفيع في حسبه ، ومنه قول زهير : هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الإلهُ بِحُكْمِهِمْ إذَا نَزَلَت إِحْدَى اللَّيالي بِمُعَظَّمِ والثاني : أن الوسط من التوسط في الأمور ، لأن المسلمين تَوَسَّطُوا في الدين ، فلا هم أهل غلوٍّ فيه ، ولا هم أهل تقصير فيه ، كاليهود الذين بدَّلوا كتاب اللّه وقتَّلوا أنبياءهم وكَذَبوا على ربهم ، فوصفهم اللّه تعالى بأنهم وسط ، لأن أحب الأمور إليه أوسطها . والثالث : يريد بالوسط : عدلاً ، لأن العدل وسط بين الزيادة والنقصان ، وقد روى أبو سعيد الخدري ، عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) في قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً } أي عَدْلاً . { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : لتشهدوا على أهل الكتاب ، بتبليغ الرسول إليهم رسالة ربهم . والثاني : لتشهدوا على الأمم السالفة ، بتبليغ أنبيائهم إليهم رسالة ربهم ، وهذا مروي عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، أن الأمم السالفة تقول لهم : كيف تشهدون علينا ولم تشاهدونا ، فيقولون أعْلَمَنَا نبيُّ اللّه بما أُنْزِلَ عليه من كتاب اللّه . |
﴿ ١٤٢ ﴾