١٥٠

ثم أعاد اللّه تعالى تأكيد أمره ، ليخرج من قلوبهم ما استعظموه من تحويلهم إلى غير ما أَلِفُوه ، فقال : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فأفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجده :

أما الأمر الأول فمفيد لنسخ غيره ، وأما الأمر الثاني فمفيد لأجل

قوله تعالى :

{ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أنه لا يتعقبه نسخ .

وأما الأمر الثالث فمفيد أن لا حجة عليهم فيه ، لقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } .

ثم قال تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمُ } ليس يريد أن لهم عليكم حجة . وفيه قولان :

أحدهما : أن المعنى ، ولكن الذين ظلموا قد يحتجون عليكم بأباطيل الحجج ، وقد ينطلق اسم الحجة على ما بطل منها ، لإقامتها في التعلق بها مقام الصحيح حتى يظهر فسادها لمن علم ، مع خفائها على من جهل ، كما قال تعالى { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } فَسَمَّاهَا حجة ، وجعلها عند اللّه دَاحِضَةْ .

والقول الثاني : أن المعنى لِئَلاَّ يكون للناس عليكم حُجَّةٌ بعد الذين ظلموا ، فتكون { إلاّ } بمعنى { بعد } ] كما قيل في

قوله تعالى : { وَلاَ تَنكَحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاءُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } " [ النساء : ٢٢ ] أي بعدما قد سلف . وكما قيل في

قوله تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلاَّ المَوتَةَ الأولى } " [ الدخان : ٥٦ ] أي بعد الموتة الأولى . وأراد بالذين ظلموا قريشاً واليهود ، لقول قريش حين استقبل الكعبة : قد علم أننا على هُدًى ، ولقول اليهود : إن رَجَعَ عنها تابعناه .

{ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي } في المخالفة { وَلأُتِمَّ نِعْمَتي عَلَيْكُمْ } يحتمل وجهين :

أحدهما : فيما هديناكم إليه من القبلة .

والثاني : ما أعددته لكم من ثواب الطاعة .

﴿ ١٥٠