١٧٣

قوله : { كُلُوا مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ليدل على تخصيص التحريم من عموم الإباحة ، فقال : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ } وهو ما فات روحه بغير ذكاة . { وَالدَّمَ } هو الجاري من الحيوان بذبح أو جرح .

{ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ } فيه قولان :

أحدهما : التحريم مقصور على لحمه دون غيره اقتصاراً على النص ، وهذا قول داود بن علي .

والثاني : أن التحريم عام في جملة الخنزير ، والنص على اللحم تنبيه على جميعه لأنه معظمه ، وهذا قول الجمهور .

{ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّه } يعني بقوله : { أُهِلَّ } أي ذبح وإنما سمي الذبح إهلالاً لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لآلهتهم ذكروا عنده اسم آلهتهم وجهروا به أصواتهم ، فسمي كل ذابح جَهَر بالتسمية أو لم يجهر مُهِلاً ، كما سمي الإحرام إهلالاً لرفع أصواتهم عنده بالتلبية حتى صار اسماً له وإن لم يرفع عنده صوت . وفي

قوله تعالى : { لِغَيْرِ اللّه } تأويلان :

أحدهما : ما ذبح لغير اللّه من الأصنام وهذا قول مجاهد وقتادة .

والثاني : ما ذكر عليه اسم غير اللّه ، وهو قول عطاء والربيع .

{ فَمَنِ اضَطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } اضطر افتُعل من الضرورة ، وفيه قولان :

أحدهما : معناه : فمن أكره على أكله فلا إثم عليه ، وهو قول مجاهد .

والثاني : فمن احتاج إلى أكله لضرورة دعته من خوف على نفس فلا إثم عليه ، وهو قول الجمهور .

وفي قوله : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } ثلاثة أقاويل :

أحدها : غير باغ على الإمام ولا عاد على الأمة بإفساد شملهم ، فيدخل الباغي على الإمام وأمته والعادي : قاطع الطريق ، وهو معنى قول مجاهد وسعيد بن جبير .

والثاني : غير باغ في أكله فوق حاجته ولا عاد يعني متعدياً بأكلها وهو يجد غيرها ، وهو قول قتادة ، والحسن ، وعكرمة ، والربيع ، وابن زيد .

والثالث : غير باغٍ في أكلها شهوة وتلذذاً ولا عاد باستيفاء الأكل إلى حد الشبع ، وهو قول السدي . وأصل البغي في اللغة : قصد الفساد يقال بغت المرأة تبغي بِغَاءً إذا فَجَرَتْ . وقال اللّه عز وجل : { وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } " [ النور : ٣٣ ] وربما استعمل البغي في طلب غير الفساد ، والعرب تقول خرج الرجل في بغاء إبلٍ له ، أي في طلبها ، ومنه قول الشاعر :

لا يمنعنّك من بغا

ء الخير تعقادُ التمائم

إن الأشائم كالأيا

من ، والأيامن كالأشائم

﴿ ١٧٣