١٧٨

يا أيها الذين . . . . .

قوله عز وجل : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } معنى قوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ } أي فرض عليكم ، ومنه قول نابغة بني جعدة :

يا بنت عمي كتاب اللّه أخرجني

عنكم فهل أمنعن اللّه ما فعلا

وقول عمر بن أبي ربيعة :

كتب القتل والقتال علينا

وعلى الغانيات جر الذيول

والقصاص : مقابلة الفعل بمثله مأخوذ من قص الأثر .

ثم قال تعالى : { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى } فاختلف أهل التأويل في ذلك على أربعة أقاويل :

أحدها : أنها نزلت في قوم من العرب كانوا أعزة أقوياء لا يقتلون بالعبد منهم إلا سيداً وبالمرأة منهم إلا رجلاً ، استطالة بالقوة وإدلالاً بالعزة ، فنزلت هذه الآية فيهم ، وهذا قول الشافعي ، وقتادة .

والثاني : أنها نزلت في فريقين كان بينهما على عهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قتال ،

فقتل من الفريقين جماعة من رجال ونساء وعبيد فنزلت هذه الآية فيهم ، فجعل رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) دية الرجل قصاصاً بدية الرجل ، ودية المرأة قصاصاً بدية المرأة ، ودية العبد قصاصاً بدية العبد ثم أصلح بينهم . وهذا قول السدي وأبي مالك .

والثالث : أن ذلك أمر من اللّه عز وجل بمقاصة دية القاتل المُقْتَص منه بدية المقتول المقتص له واستيفاء الفاضل بعد المقاصة ، وهذا قول عليّ كان يقول في تأويل الآية : أيما حر قتل عبداً فهو به قود ، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه وقاصّوهم بثمن العبد من دية الحر وأدوا إلى أولياء الحر بقية دِيته ، وأيما عبد قتل حراً فهو به قود ، فإن شاء أولياء الحر قتلوا العبد وقاصّوهم بثمن العبد وأخذوا بقية دية الحر ، وأيما رجل قتل امرأة فهو بها قود ، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه ، وأدوا بقية الدية إلى أولياء الرجل ، وأيما امرأة قتلت رجلاً فهي به قود ، فإن شاء أولياء الرجل قتلوها وأخذوا نصف الدية .

والرابع : أن اللّه عز وجل فرض بهذه الآية في أول الإسلام أن يُقْتَلَ الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة والعبد بالعبد ، ثم نَسَخَ ذلك قولُه في سورة المائدة { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } " [ المائدة : ٤٥ ] وهذا قول ابن عباس .

ثم قال تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإحْسَانٍ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : فمن عفي له عن القصاص منه فاتّباع بمعروف وهو أن يطلب الولي الدية بمعروف ويؤدي القاتلُ الدية بإحسان ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد .

والثاني : أن معنى قوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } بمعنى فمن فضل له فضل وهذا تأويل من زعم أن الآية نزلت في فريقين كانا على عهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قتل من كلا الفريقين قتلى فتقاصّا ديات القتلى بعضهم من بعض ، فمن بقيت له

بقية فليتبعها بمعروف ، وليرد من عليه الفاضل بإحسان ، ويكون معنى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } أي فضل له قِبل أخيه القاتل شيء ، وهذا قول السدي .

والثالث : أن هذا محمول على تأويل عليّ { رضي اللّه عنه } في أول الآية ؟ في القصاص بين الرجل والمرأة والحر والعبد وأداء ما بينهما من فاضل الدية .

ثم في الاتباع بالمعروف والأداء إليه بإحسان وجهان ذكرهما الزَّجَّاج :

أحدهما : أن الاتباع بالمعروف عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف ، والأداء عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان .

والثاني : أنهما جميعاً عائدان إلى القاتل أن يؤدي الدية بمعروف وبإحسان .

ثم قال تعالى : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } يعني خيار الولي في القود أو الدية ، قال قتادة : وكان أهل التوراة يقولون : إنما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش ، وكان أهل الإنجيل يقولون : إنما هو أرش أو عفو ليس بينهما قود ، فجعل لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا ، أحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم ، فهو

قوله تعالى : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِكُم وَرَحْمَةٌ } .

ثم قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني مَنْ قَتَلَ بعد أَخْذِهِ الدية فله عذاب أليم ، وفيه أربعة تأويلات :

أحدها : أن العذاب الأليم هو أن يقتل قصاصاً ، وهو قول عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك .

والثاني : أن العذاب الأليم هو أن يقتله الإمام حتماً لا عفو فيه ، وهو قول ابن جريج ، وروي أن النبي اللّه عليه وسلم كان يقول : { لاَ أُعَافِي رَجُلاً قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَّةِ } .

والثالث : أن العذاب الأليم هو عقوبة السلطان .

والرابع : أن العذاب الأليم استرجاع الدية منه ، ولا قود عليه ، وهو قول الحسن البصري .

﴿ ١٧٨