١٨٤

قوله عز وجل : { أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ } فيها قولان :

أحدهما : أنها أيام شهر رمضان التي أبانها من بعد ، وهو قول ابن أبي ليلى وجمهور المفسرين .

والثاني : أنها صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، كانت مفروضة قبل صيام شهر رمضان ، ثم نسخت به ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة وعطاء ، وهي الأيام البيض من كل شهر ، وفيها وجهان :

أحدهما : أنه الثاني عشر وما يليه .

الوجه الثاني : أنها الثالث عشر وما يليه ، وهو أظهر الوجهين ، لأن أيام الشهر مجزأة عند العرب عشرة أجزاء ، كل جزء منها ثلاثة أيام ، تختص باسم ، فأولها ثلاث غرر ، ثم ثلاث شهب ، ثم ثلاث بهر ، ثم ثلاث عشر ، ثم ثلاث بيض ، ثم ثلاث درع ، والدرع هو سواد مقدم الشاة ، وبياض مؤخرها ، فقيل لهذه الثلاث درع ، لأن القمر يغيب في أولها ، فيصير ليلها درعاً ، لسواد أوله ، وبياض آخره ، ثم ثلاث خنس ، لأن القمر يخنس فيها ، أي يتأخر ، ثم ثلاث دهم ، وقيل حنادس لإظلامها ، ثم ثلاث فحم ، لأن القمر يتفحم فيها ، أي يطلع آخر الليل ، ثم ثلاث رادي ، وهي آخر الشهر ، مأخوذة من الرادة ، أن تسرع نقل أرجلها حتى تضعها في موضع أيديها .

وقد حكى أبو زيد ، وابن الأعرابي ، أنهم جعلوا للقمر في كل ليلة من ليالي العشر اسماً ، فقالوا ليلة عتمة سخيلة حل أهلها برميلة ، وابن ليلتين حديث مين مكذب ومبين ، ورواه ابن الأعرابي كذب ومين ، وابن ثلاث قليل اللباث ، وابن أربع عتمة ربع لا جائع ولا مرضع ، وابن خمس حديث وأنس ، وابن ست سِرْ وبِتْ ، وابن سبع دلجة الضبع ، وابن ثمان قمر إضحيان ، وابن تسع انقطع الشسع . وفي رواية غير أبي زيد : يلتقط فيه الجزع ، وابن عشر ثلث الشهر ، عن أبي زيد وعن غيره ، ولم يجعل له فيما زاد عن العشر اسماً مفرداً .

واختلفوا في الهلال متى يصير قمراً ، فقال قوم يسمى هلالا لليلتين ، ثم يُسَمَّى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى ثلاث ، ثم يسمى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى ثلاث ، ثم يسمى بعدها قمراً ، وقال آخرون يسمى هلالاً حتى يحجر ، وتحجيره أن يستدير بِخَطَّةٍ دقيقة ، وهو قول الأصمعي ، وقال آخرون يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل ، فإذا بهر ضوؤه يسمى قمراً ، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة . [ ثم عدنا إلى تفسير ما بقي من الآية ] .

قوله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ } يعني مريضاً لا يقدر مع مرضه على الصيام ، أو على سفر يشق عليه في سفره الصيام .

{ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه مع وجود السفر ، يلزمه القضاء سواء صام في سفره أو أفطر ، وهذا قول داود الظاهري .

والثاني : أن في الكلام محذوفاً وتقديره : فأفطر فعدة من أيام أخر ، ولو صام في مرضه وسفره لم يعد ، لكون الفطر بهما رُخْصَة لا حتماً ، وهذا قول الشافعي ، ومالك ، وأبي حنيفة ، وجمهور الفقهاء .

ثم قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهٌ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } هكذا قرأ أكثر القراء ، وقرأ ابن عباس ، ومجاهد : { وَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَطِيقُونَهُ فدية } ، وتأويلها : وعلى الذين يكلفونه ، فلا يقدرون على صيامه لعجزهم عنه ، كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع ، فدية طعام مسكين ، ولا قضاء عليهم لعجزهم عنه . وعلى القراءة المشهورة فيها تأويلان :

أحدهما : أنها وردت في أول الإسلام ، خيّر اللّه تعالى بها المطيقين للصيام من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا ، وبين أن يفطروا ويكفروا كل يوم بإطعام مسكين ، ثم نسخ ذلك ب

قوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، وقيل بل نسخ بقوله : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم } ، وهذا قول ابن عمر ، وعكرمة ، والشعبي ، والزهري ، وعلقمة ، والضحاك .

والثاني : أن حكمها ثابت ، وأن معنى

قوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي كانوا يطيقونه في حال شبابهم ، وإذا كبروا عجزوا عن الصوم لكبرهم أن يفطروا ، وهذا سعيد بن المسيب ، والسدي .

ثم قال تعالى : { فَمَنْ تَطَوَّعَ خيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } فيه تأويلان :

أحدهما : فمن تطوع بأن زاد على مسكين واحد فهو خير له وهذا قول ابن عباس ومجاهد وطاووس والسدي .

والثاني : فمن تطوع بأن صام مع الفدية فهو خير له وهذا قول الزهري ورواية ابن جريج عن مجاهد .

ثم قال تعالى : { وَاَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُم } يحتمل تأويلين :

أحدهما : أن الصوم في السفر خير من الفطر فيه والقضاء بعده .

والثاني : أن الصوم لمطيقه خير وأفضل ثواباً من التكفير لمن أفطر بالعجز .

{ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يحتمل وجهين :

أحدهما : إن كنتم تعلمون ما شَرَّعْتُه فيكم وَبَيَّنْتُه من دينكم .

والثاني : إن كنتم تعلمون فضل أعمالكم وثواب أفعالكم .

﴿ ١٨٤