١٨٦

قوله تعالى : { وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } اختلف أهل التأويل في سبب نزول هذه الآية ، على أربعة أقاويل :

أحدها : أنها نزلت في سائل سأل النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال : يا محمد أقريبٌ ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأُنْزِلَتْ هذه الآية ، وهو قول الحسن البصري .

والثاني : أنها نزلت في قوم سألوا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن أي ساعة يدعون اللّه فيها ، وهذا قول عطاء والسدي .

والثالث : أنها نزلت جواباً لقوم قالوا : كيف ندعو ؟ ، وهذا قول قتادة .

والرابع : أنها نزلت في قوم حين نَزَلَ

قولُه تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قالوا : إلى أين ندعوه ؟ ، وهذا قول مجاهد .

وفي قوله تعالى : { قَرِيبٌ } تأويلان :

أحدهما : قريب الإجابة .

والثاني : قريب من سماع الدعاء .

وفي قوله تعالى : { أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ } تأويلان :

أحدهما : معناه أسمع دعوة الداعي إذا دعاني ، فعبر عن السماع بالإجابة ، لأن السماع مقدمة الإجابة .

والثاني : أنه أراد إجابة الداعي إلى ما سأل ، ولا يخلو سؤال الداعي أن يكون موافقاً للمصلحة أو مخالفاً لها ، فإن كان مخالفاً للمصلحة لم تجز الإجابة إليه ، وإن كان موافقاً للمصلحة ، فلا يخلو حال الداعي من أحد أمرين : إما أن يكون مستكملاً شروط الطلب أو مقصوراً فيها :

فإن استكملها جازت إجابته ، وفي وجوبها قولان :

أحدهما : أنها واجبة لأنها تجري مجرى ثواب الأعمال ، لأن الدعاء عبادة ثوابها الإجابة .

والثاني : أنها غير واجبة لأنها رغبة وطلب ، فصارت الإجابة إليها تفضلاً .

وإن كان مقصوراً في شروط الطلب لم تجب إجابته ، وفي جوازها قولان :

أحدهما : لا تجوز ، وهوقول من أوجبها مع استكمال شروطها .

والثاني : تجوز ، وهو قول من لم يوجبها مع استكمال شروطها .

وفي قوله تعالى : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } أربعة تأويلات :

أحدها : أن الإستجابة بمعنى الإجابة ، يقال استجبت له بمعنى أجبته ، وهذا قول أبي عبيدة ، وأنشد قول كعب بن سعد الغنوي :

وداعٍ دَعَا : يا من يجيب إلي الندا

فلم يستجبه عند ذلك مجيب

أي فلم يجبه .

والثاني : أن الإستجابة طلب الموافقة للإجابة ، وهذا قول ثعلب .

والثالث : أن معناه فليستجيبوا إليَّ بالطاعة .

والرابع : فليستجيبوا لي ، يعني فليدعوني .

﴿ ١٨٦