١٨٩يسألونك عن الأهلة . . . . . قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَيِ الأَهِلَّةِ } سبب نزولها ، أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غَنَمة ، وهما من الأنصار ، سألا النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن زيادة الأهلة ونشأتها ، فنزلت هذه الآية ، وأُخِذَ اسم الهلال من استهلال الناس برفع أصواتهم عند رؤيته ، والمواقيت : مقادير الأوقات لديونهم وحجهم ، ويريد بالأهلة وشهورها ، وقد يعبّر عن الهلال بالشهر لحوله فيه ، قال الشاعر : أخوان من نجدٍ على ثقةٍ والشهرُ مثلُ قلامةِ الظُّفرِ حتى تكامل في استدارته في أربع زادت على عشر ثم قال تعالى : { وَلَيْسَ الْبِّرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } فيه ستة أقاويل : أحدها : أن سبب نزول ذلك ، ما روى داود عن قيس بن جبير : أن الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطاً من بابه ، فدخل رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) داراً ، وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن أيوب ، فجاء فتسور الحائط على رسول اللّه ، فلما خرج من باب الدار خرج رفاعة ، فقال رسول اللّه : { مَا حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّه رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ مِنْهُ فَخَرَجْتُ مِنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّه صَلَّى اللّه عَلَيهِ وسَلَّمَ : إنّي رَجُلٌ أَحْمَسُ فَقَالَ : إِنْ تَكُنْ أَحْمَسَ فَدِيْنُنَا وَاحِدٌ } فأنزل اللّه تعالى : { لَيْسَ البِرُّ } الآية ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة ، وعطاء ، وقوله : أحمس يعني من قريش ، كانوا يُسَمَّونَ { الحُمْسَ } لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا ، والحَمَاسَةُ الشدة ، قال العجاج : وكمْ قَطَعْنا مِنْ قِفافٍ حُمْسِ أي شداد . والقول الثاني : عنى بالبيوت النساء ، سُمِّيَتْ بيوتاً للإيواء إليهن ، كالإيواء إلى البيوت ، ومعناه : لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهن ، وأتوهن من حيث يحل من قُبُلهن ، قاله ابن زيد . والثالث : أنه في النسيء وتأخير الحج به ، حين كانوا يجعلون الشهر الحلال حراماً بتأخير الحج ، والشهر الحرام حلالاً بتأخير الحج عنه ، ويكون ذكر البيوت وإتيانها من ظهورها مثلاً لمخالفة الواجب في الحج وشهوره ، والمخالفة إتيان الأمر من خلفه ، والخلف والظهر في كلام العرب واحد ، حكاه ابن بحر . والرابع : أن الرجل كان إذا خرج لحاجته ، فعاد ولم ينجح لم يدخل من بابه ، ودخل من ورائه ، تطيراً من الخيبة ، فأمرهم اللّه أن يأتوا بيوتهم من أبوابها . والخامس : معناه ليس البر أن تطلبوا الخير من غير أهله ، وتأتوه من غير بابه ، وهذا قول أبي عبيدة . والقول السادس : أنه مثلٌ ضَربه اللّه عز وجل لهم ، بأن يأتوا البر من وجهه ، ولا يأتوه من غير وجهه . |
﴿ ١٨٩ ﴾