١٩٦قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّه } وقرأ ابن مسعود فيما رواه عنه علقمة : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِالْبَيتِ } واختلفوا في تأويل إتمامها على خمسة أقاويل : أحدها : يعني وأتموا الحج لمناسكه وسننه ، وأتموا العمرة بحدودها وسنتها ، وهذا قول مجاهد ، وعلقمة بن قيس . والثاني : أن إتمامهما أَنْ تُحْرِمَ بهما من دُوَيْرَةِ أهلك ، وهذا قول علي ، وطاوس ، وسعيد بن جبير . والثالث : أن إتمام العمرة ، أن نخدم بها في غير الأشهر الحرم ، وإتمام الحج أن تأتي بجميع مناسكه ، حتى لا يلزم دم لجبران نقصان ، وهذا قول قتادة . والرابع : أن تخرج من دُوَيْرَةِ أهلك ، لأجلهما ، لا تريد غيرهما من تجارة ، ولا مكسب ، وهذا قول سفيان الثوري . والخامس : أن إتمامهما واجب بالدخول فيهما ، وهذا قول الشعبي ، وأبي بردة ، وابن زيد ، ومسروق . ثم قال تعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } في هذا الإحصار قولان : أحدهما : أنه كل حابس من عدوّ ، أو مرض ، أو عذر ، وهو قول مجاهد ، وقتادة ، وعطاء ، وأبي حنيفة . والثاني : أنه الإحصار بالعدوّ ، دون المرض ، وهو قول ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، والشافعي . وفي { فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } قولان : أحدهما : شاةُ ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وعلقمة ، وعطاء ، وأكثر الفقهاء . والثاني : بدنة ، وهو قول عمر ، وعائشة ، ومجاهد ، وطاوس ، وعروة ، وجعلوه فيما استيسر من صغار البُدْن وكبارها . وفي اشتقاق الهدي قولان : أحدهما : أنه مأخوذ من الهدية . والثاني : مأخوذ من قولهم هديتُه هَدْياً ، إذا سقته إلى طريق سبيل الرشاد . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُم حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } . وفي محل هدي المحصر ، ثلاثة أقاويل : أحدها : حيث أُحْصِر من حِلٍ أو حَرَم ، وهذا قول ابن عمر ، والمِسْوَر بن مخرمة ، وهارون بن الحكم ، وبه قال الشافعي . والقول الثاني : أنه الحَرَم ، وهو قول عليّ ، وابن مسعود ومجاهد ، وبه قال أبو حنيفة . والقول الثالث : أن مَحِلّهُ أن يتحلل من إحرامه بادئاً نسكه ، والمقام على إحرامه إلى زوال إحصاره ، وليس للمحرم أن يتحلل بالاحصار بعد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فإن كان إحرامُه بعمرة لم يَفُتْ وإن كان بحج قضاه بالفوات بعد الإحلال منه ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وعائشة ، وبه قال مالك . ثم قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } معناه : فحلَقَ ، فعليه ذلك . أما الصيام ففيه قولان : أحدهما : صيام ثلاثة أيام ، وهذا قول مجاهد ، وعلقمة ، وإبراهيم ، والربيع ، وبه قال الشافعي . والقول الثاني : صيام عشرة أيام كصيام المتمتع ، وهو قول الحسن وعكرمة . وأما الصدقة ففيها قولان : أحدهما : ستة مساكين ، وهو قول من أوجب صيام ثلاثة أيام . والقول الثاني : إطعام عشرة مساكين ، وهو قول من أوجب صيام عشرة أيام . وأما النسك فشاة . ثم قال تعالى : { فَإِذَا أَمِنتُم } وفيه تأويلان : أحدهما : من خوفكم . والثاني : من مرضكم . { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الْحَجِّ فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } اختلفوا في هذا المتمتع على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه المُحْصَرُ بالحج ، إذا حَلَّ منه بالإحصار ، ثم عاد إلى بلده متمتعاً بعد إحلاله ، فإذا قضى حجَّه في العام الثاني ، صار متمتعاً بإحلالٍ بيْن الإحْرَامَين ، وهذا قول الزبير . والثاني : فمن نسخ حَجَّهُ بعمرة ، فاستمتع بعمرة بعد فسخ حَجِّهِ ، وهذا قول السدي . والثالث : فمن قَدِمَ الحرم معتمراً في أشهر الحج ، ثم أقام بمكة حتى أحرم منها بالحج في عامِهِ ، وهذا قول ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وعطاء ، والشافعي . وفي { فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } ما ذكرناه من القولين . ثم قال تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّمٍ فِي الْحَجِّ } اختلفوا في زمانها من الحج على قولين : أحدهما : بعد إحرامه وقبل يوم النحر ، وهذا قول علي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وطاوس ، والسدي ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والشافعي في الجديد . والثاني : أنها أيام التشريق ، وهذا قول عائشة ، وعروة ، وابن عُمر في رواية سالم عنه ، والشافعي في القديم . واختلفوا في جواز تقديمها قبل الإحرام بالحج على قولين : أحدهما : لا يجوز ، وهذا قول ابن عمر ، وابن عباس . والثاني : يجوز . واختلف قائلو ذلك في زمان تقديمه قبل الحج على قولين : أحدهما : عشر ذي الحجة ، ولا يجوز قبلها ، وهو قول مجاهد ، وعطاء . والثاني : في أشهر الحج ، ولا يجوز قبلها ، وهو قول طاوس . ثم قال تعالى : { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } وفي زمانها قولان : أحدهما : إذا رجعتم من حجكم في طريقكم ، وهو قول مجاهد . والثاني : إذا رجعتم إلى أهليكم في أمصاركم ، وهو قول عطاء ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، والربيع . ثم قال تعالى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : أنها عشرة كاملة في الثواب كمن أهدى ، وهو قول الحسن . والثاني : عشرة كَمَّلَت لكم أجر من أقام على إحرامه فلم يحل منه ولم يتمتع . والثالث : أنه خارج مخرج الخبر ، ومعناه معنى الأمر ، أي تلك عشرة ، فأكملوا صيامها ولا تفطروا فيها . والرابع : تأكيد في الكلام ، وهو قول ابن عباس . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وفي حاضريه أربعة أقاويل : أحدها : أنهم أهل الحرم ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وطاوس . والثاني : أنهم مَن بيْن مكة والمواقيت ، وهو قول مكحول ، وعطاء . والثالث : أنهم أهل الحَرَمِ ومَنْ قرُب منزله منه ، كأهل عرفة ، والرجيع ، وهو قول الزهري ، ومالك . والرابع : أنهم مَن كان على مسافة لا يقصر في مثلها الصلاة ، وهو قول الشافعي . |
﴿ ١٩٦ ﴾