٢٢٨

قوله عز وجل : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } يعني المخليات ، والطلاق : التخلية كما يقال للنعجة المهملة بغير راع : طالق ، فسميت المرأة المَخْلي سبيلها بما سميت به النعجة المهمل أمرها ، وقيل إنه مأخوذ من طلق الفرس ، وهو ذهابه شوطاً لا يمنع ، فسميت المرأة المُخْلاَةُ طالقاً لأنها لا تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة ، ولذلك قيل لذات الزوج إنها في حباله لأنها كالمعقولة بشيء ، وأما قولهم طَلَقَتْ المرأة فمعناه غير هذا ، إنما يقال طَلَقَتْ المرأة إذا نَفَسَتْ ، هذا من الطلْق وهو وجع الولادة ، والأول من الطَّلاَقِ .

ثم قال تعالى : { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } أي مدة ثلاثة قروء ، واختلفوا في الأقراء على قولين :

أحدهما : هي الحِيَضُ ، وهو قول عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي

موسى ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وعكرمة ، والسدي ، ومالك ، وأبي حنيفة ، وأهل العراق ، استشهاداً بقول الشاعر :

يا رُبَّ ذي صغن عليّ فارض

له قروءٌ كقروءِ الحائض

والثاني : هي الأطهار ، وهو قول عائشة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، والشافعي ، وأهل الحجاز ، استشهاداً بقول الأعشى :

أفي كلِّ عامٍ أنتَ جَاشِمُ غزوةً

تَشُدُّ لأقصاها عزِيمَ عزائِكَا

مُوَرّثَةً مالاً وفي الحيِّ رِفعَةٌ

لِمَا ضاعَ فيها من قروءِ نِسائكا

واختلفوا في اشتقاق القرء على قولين :

أحدهما : أن القرء الاجتماع ، ومنه أخذ اسم القرآن لاجتماع حروفه ، وقيل : قد قرأ الطعام في شدقه وقرأ الماء في حوضه إذا جمعه ، وقيل : ما قرأتِ الناقة سَلَى قط ، أي لم يجتمع رحمها على ولد قط ، قال عمرو بن كلثوم :

تُرِيكَ إذا دَخَلْتَ على خَلاءٍ وقد أمنَتْ عُيونُ الكَاشِحِينا

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْمَاءَ بكرِ

هَجَانَ اللون لم تقرَأْ جَنِينَا

وهذا قول الأصمعي ، والأخفش ، والكسائي ، والشافعي ، فمن جعل القروء اسماً للحيض سماه بذلك ، لاجتماع الدم في الرحم ، ومن جعله اسماً للطهر فلاجتماعه في البدن .

والقول الثاني : أن القرء الوقت ، لمجيء الشيء المعتاد مجِيؤه لوقت معلوم ، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم ، وكذلك قالت العرب : أَقْرأَتْ حاجة فلان عندي ، أي دنا وقتها وحان قضاؤها . وأَقْرَأَ النجم إذا جاء وقت أُفوله ، وقرأ إذا جاء وقت طلوعه ، قال الشاعر :

إذا ما الثُّرَيَّا وقد أقَرْأَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل : أقرأت الريح ، إذا هبت لوقتها ، قال الهذلي :

كَرِهتُ العقْرَ عَقْرَ بني شليل

إذا لِقَارئِهَا الرِّياح

يعني هبت لوقتها ، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء .

فمن جعل القرْء اسماً للحيض ، فلأنه وقت خروج الدم المعتاد ، ومن جعله اسماً للطهر ، فلأنه وقت احتباس الدم المعتاد .

ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّه في أَرْحَامِهِنَّ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنه الحيض ، وهو قول عكرمة ، والزهري ، والنخعي . والثاني : أنه الحمل ، قاله عمر وابن عباس .

والثالث : أنه الحمل والحيض قاله عمر ومجاهد .

{ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ } وعيد من اللّه لهن ، واختلف في سبب الوعيد على قولين :

أحدهما : لما يستحقه الزوج من الرجعة ، وهو قول ابن عباس .

والثاني : لإلحاق نسب الوليد بغيره كفعل الجاهلية ، وهو قول قتادة .

ثم قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ } البعل : الزوج ، سُمِّيَ بذلك ، لعلوه على الزوجة بما قد ملكه عن زوجيتها ومنه

قوله تعالى : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } " [ الصافات : ١٢٥ ] أي رَبّاً لعلوه بالربوبية ، { أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ } أي برجعتهن ، وهذا مخصوص في الطلاق الرجعي دون البائن .

{ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً } يعني إصلاح ما بينهما من الطلاق .

ثم قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وفيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن من الطاعة ، فيما أوجبه اللّه تعالى عليهن لأزواجهن ، وهو قول الضحاك .

والثاني : ولهن على أزواجهن من التصنع والتزين ، مثل ما لأزواجهن ، وهو قول ابن عباس .

والثالث : أن الذي لهن على أزواجهن ، ترك مضارتهن ، كما كان ذلك لأزواجهن ، وهو قول أبي جعفر .

ثم قال تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ } وفيه خمسة تأويلات :

أحدها : فضل الميراث والجهاد ، وهو قول مجاهد .

والثاني : أنه الإمْرَةُ والطاعة ، وهو قول زيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن .

والثالث : أنه إعطاء الصداق ، وأنه إذا قذفها لاعنها ، وإن قذفته حُدَّتْ ، وهو قول الشعبي .

والرابع : أفضاله عليها ، وأداء حقها إليها ، والصفح عما يجب له من الحقوق عليها ، وهو قول ابن عباس وقتادة .

والخامس : أن جعل له لحْية ، وهو قول حميد .

﴿ ٢٢٨