٢٣٣

والوالدات يرضعن أولادهن . . . . .

قوله تعالى : { وَالْوَلِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَيْنِ } والحول السنة ، وفي أصله قولان :

أحدهما : أنه مأخوذ من قولهم : حال الشيء إذا انقلب عن الوقت الأول ، ومنه استحالة الكلام لانقلابه عن الصواب . والثاني : أنه مأخوذ من التحول عن المكان ، وهو الانتقال منه إلى المكان الأول .

وإنما قال حولين كاملين ، لأن العرب تقول : أقام فلان بمكان كذا حولين وإنما أقام حولاً وبعض آخر ، وأقام يومين وإنما أقام يوماً وبعض آخر ، قال اللّه تعالى : { وَاذْكُرُوا اللّه في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيهِ } " [ البقرة : ٢٠٣ ] ومعلوم أن التعجل في يوم وبعض يوم .

واختلف أهل التفسير فيما دلت عليه هذه الآية من رضاع حولين كاملين ، على تأويلين :

أحدهما : أن ذلك في التي تضع لستة أشهر فإن وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحداً وعشرين شهراً ، استكمالاً لثلاثين شهراً ، ل

قوله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } " [ الأحقاف : ١٥ ] وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أن ذلك أمر برضاع كل مولود اختلف والداه في رضاعه أن يرضع حولين كاملين ، وهذا قول عطاء والثوري .

ثم قال تعالى : { وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } يريد بالمولود له الأب عليه في ولده للمرضعة له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وفيه قولان :

أحدهما : أن ذلك في الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها فلها رزقها من الغذاء ، وكسوتها من اللباس . ومعنى بالمعروف أجرة المثل ، وهذا قول الضحاك .

والثاني : أنه يعني به الأم ذات النكاح ، لها نفقتها وكسوتها بالمعروف في مثلها ، على مثله من يسار ، وإعسار .

ثم قال تعالى : { لاَ تُضَار وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } أي لا تمتنع الأم من إرضاعه إضراراً بالأب ، وهو قول جمهور المفسرين .

وقال عكرمة : هي الظئر المرضعة دون الأم .

ثم قال تعالى : { وَلاَ مَولُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } وهو الأب في قول جميعهم ، لا ينزع الولد من أمه إضراراً بها .

ثم قال تعالى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : أن الوارث هو المولود نفسه ، وهذا قول قبيصة بن ذؤيب .

والثاني : أنه الباقي من والدي بعد وفاة الآخر منهما ، وهو قول سفيان .

والثالث : أنه وارث الولد ، وهذا قول الحسن ، والسدي .

والرابع : أنه وارث الولد ، وفيه أربعة أقاويل :

أحدها : وارثه من عصبته إذا كان أبوه ميتاً سواء كان عماً أو أخاً أو ابن أخ أو

ابن عم دون النساء من الورثة ، وهذا قول عمر بن الخطاب ، ومجاهد .

والثاني : ورثته من الرجال والنساء ، وهو قول قتادة .

والثالث : هم مِنْ ورثته من كان منهم ذا رحم محرم ، وهذا قول أبي حنيفة . والرابع : أنهم الأجداد ثم الأمهات ، وهذا قول الشافعي .

وفي قوله تعالى : { مثل ذلك } تأويلان :

أحدهما : أن على الوارث مثل ما كان على والده من أجرة رضاعته ونفقته ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وإبراهيم .

والثاني : أن على الوارث مثل ذلك في ألاَّ تضار والدة بولدها ، وهذا قول الضحاك ، والزهري .

ثم قال تعالى : { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِمَا } والفصال : الفصام ، سمي فصالاً لانفصال المولود عن ثدي أمه ، من قولهم قد فاصل فلان فلاناً إذا فارقه من خلطة كانت بينهما . والتشاور : استخراج الرأي بالمشاورة .

وفي زمان هذا الفِصال عن تراض قولان :

أحدهما : أنه قبل الحولين إذا تراضى الوالدان بفطام المولود فيه جاز ، وإن رضي أحدهما وأبى الآخر لم يجز ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، والزهري ، والسدي .

والقول الثاني : أنه قبل الحولين وبعده ، وهذا قول ابن عباس .

ثم قال تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُم } يعني لأولادكم ، فحذف اللام اكتفاء بأن الاسترضاع لا يكون للأولاد ، وهذا عند امتناع الأم من إرضاعه ، فلا جناح عليه أن يسترضع له غيرها ظِئْراً .

{ إذا سَلَّمْتُم مَّا ءَاتَيتُم بِالْمَعْرُوفِ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : إذا سلمتم أيها الآباء إلى الأمهات أجور ما أرضعن قبل امتناعهن ، وهذا قول مجاهد ، والسدي .

والثاني : إذا سلّمتم الأولاد عن مشورة أمهاتهم إلى من يتراضى به الوالدان في إرضاعه ، وهذا قول قتادة ، والزهري .

والثالث : إذا سلّمتم إلى المرضعة التي تستأجر أجرها بالمعروف ، وهذا قول سفيان .

﴿ ٢٣٣