٢٤٩

قوله تعالى : { فَلمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ } وهو جمع جند ، والأجناد للقليل ، وقيل : إنهم كانوا ثمانين ألف مقاتل .

{ قَالَ إِنَّ اللّه مُبْتَلِيكُم بِنَهْرٍ } اختلفوا في النهر ، فَحُكِيَ عن ابن عباس والربيع أنه نهر بين الأردن وفلسطين ، وقيل إنه نهر فلسطين ، قال وهب بن منبه : السبب الذي ابتلوا لأجله بالنهر ، شِكَايَتُهم قِلةَ الماء وخوف العطش .

{ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيسَ مِنِّي } أي ليس من أهل ولايتي .

{ ومَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَن اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو بالفتح ، وقرأ الباقون { غرفة } بالضم ، والفرق بينهما أن الغرفة بالضم اسم للماء المشروب ، والغرفة بالفتح اسم للفعل .

{ فَشَرِبُوا مِنهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنهُم } قال عكرمة : جاز معه النهر أربعة آلاف ، ونافق ستة وسبعون ألفاً ، فكان داود ممن خلص للّه تعالى . قال ابن عباس : إن من استكثر منه عَطِش ، ومن اغترف غرفة منه رُوِيَ .

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ } قيل : كان المؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً عدة أهل بدر . واختلفوا ، هل تجاوزه معهم كافر أم لا ؟ فَحُكِيَ عن البراء ، والحسن ، وقتادة : أنه ما تجاوزه إلا مؤمن ، وقال ابن عباس ، والسدي : تجاوزه الكافرون ، إلا أنهم انخذلوا عن المؤمنين .

{ قَالُوا : لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } اختلفوا في تأويل ذلك على قولين :

أحدهما : أنه قال ذلك مَنْ قلّت بصيرته من المؤمنين ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وابن زيد .

والثاني : أنهم أهل الكفر الذين انخذلوا ، وهو قول ابن عباس ، والسدي ،

قال عكرمة : فنافق الأربعة الآلاف إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كعدة أهل بدر ، وداود فيهم .

{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ اللّه } وهم المؤمنون الباقون من الأربعة الآلاف .

وفي الظن ها هنا قولان :

أحدهما : أنه بمعنى اليقين ، ومعناه الذين يستيقنون أنهم ملاقوا اللّه كما قال دريد بن الصُّمّة :

فقلت لهم ظُنّوا بِأَلْفَيْ مُدَجج

سَراتُهُمُ في الفارسيّ المسَرّدِ

أي تيقنوا .

والثاني : بمعنى الذين يظنون أنهم ملاقوا اللّه بالقتل في الوقعة .

{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً } والفئة : الفرقة { بِإِذْنِ اللّه } قال الحسن : بنصر اللّه ، وذلك لأن اللّه إذا أذن في القتال نصر فيه على الوجه الذي وقع الإِذن فيه . { وَاللّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يعني بالنصرة والمعونة ، وهذا تفسير الآية عند جمهور المفسرين .

وذكر بعض من يتعاطى غوامض المعاني ، أن هذه الآية مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللّه للدنيا يشبهها بالنهر ، والشارب منه بالمائل إليها والمستكثر منها ، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها ، والمغترف منه بيده بالآخذ منها قدر حاجته ، وأحوال الثلاثة عند اللّه مختلفة .

﴿ ٢٤٩