٢٥١

والثاني : أنهم لما ألجئوا إليها صارواْ سبباً لها ، فأضيفت إليهم لمكان الإلجاء . ويحتمل قوله : { بِإِذْنِ اللّه } وجهين :

أحدهما : بأمر اللّه لهم بقتالهم .

الثاني : بمعونة اللّه لهم على قتالهم .

{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } حكي أن جالوت خرج من صفوف عسكره يطلب البِراز ؟ فلم يخرج إليه أحد ، فنادى طالوت في عسكره : مَنْ قتل جالوت فلهُ شطر مُلكي وأزوّجه ابنتي ، فجاء داود وقد أخذ ثلاثة أحجار ، وكان قصيراً يرعى الغنم ، وقد ألقى اللّه في نفسه أنه سيقتل جالوت ، فقال لطالوت : أنا أقتل جالوت ، فازدراه طالوت حين رآه ، وقال له : هل جربت نفسك بشيء ؟ قال نعم ، قال : بماذا ؟ قال : وقع ذئب في غنمي فضربته ، ثم أخذت رأسه فقطعته في جسمه ، فقال طالوت : الذئب ضعيف ، فهل جربت نفسك في غيره ؟ قال : نعم ، دخل الأسد في غنمي ، فضربته ثم أخذت بِلَحْيَيْه فشققتها ، أفترى هذا أشد من الأسد ، قال : لا ، وكان عند طالوت درع سابغة لا تستوي إلا على من يقتل جالوت ، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت ، وسار إلى جالوت فرماه بحجر فوقع بين عينيه وخرج من قفاه ، فأصاب جماعة من عسكره فقتلهم وانهزم القوم عن آخرهم ، وكانوا على ما حكاه عكرمة تسعين ألفاً .

واختلفواْ ، هل كان داود عند قتله جالوت نبياً ؟ ذهب بعضهم أنه كان نبياً ، لأن هذا الفعل الخارج عن العادة ، لا يكون إلا من نبي ، وقال الحسن : لم يكن نبياً ، لأنه لا يجوز أن يُوَلي مَنْ ليس بنبي على نبي . قال ابن السائب وإنما كان

راعياً فعلى هذا يكون ذلك من توطئة لنبوته من بعد .

ثم إن طالوت ندم على ما بذله لداود من مشاطرته ملكه وتزويجه ابنته ، واختلفوا هل كان ندمه قبل تزويجه ومشاطرته ، أم بعد ، على قولين :

أحدهما : أن طالوت وَفَّى بشرطه ، وزوج داود بإبنته ، وخلطه في ملكه بنفسه ثم حسده ، فندم ، وأراد قتله ، فعلمت بنته بأنه يريد قتل زوجها ، وكانت من أعقل النساء ، فنصبت له زِق خمر بالمسك ، وألقت عليه ليلاً ثياب داود ، فأقبل طالوت ، وقال لها : أين زوجك ؟ فأشارت إلى الزق ، فضربه بالسيف ، فانفجر منه الخمر وسطع ريح المسك ، فقال يرحمك اللّه يا داود طبت حياً وميتاً ، ثم أدركته الندامة ، فجعل ينوح عليه ويبكي ، فلما نظرت الجارية إلى جَزَعِ أبيها ، أخبرته الخبر ، ففرح ، وقاسم داود على شطر ملكه ، وهذا قول الضحاك ، فعلى هذا يكون طالوت على طاعته حين موته ، لتوبته من معصيته .

والقول الثاني : أنه ندم قبل تزويجه على شرطه وبذله ، وعرّض داود للقتل ، وقال له إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق أمثالهن ، وأنت رجل جريء ، فاجعل صداقها قتل ثلاثمائة من أعدائنا ، وكان يرجو بذلك أن يقتل ، فغزا داود وأسر ثلاثمائة ، فلم يجد طالوت بداً من تزويجه ، فزوجه بها ، وزاد ندامة فأراد قتله ، وكان يدس عليه حتى مات ، وهذا قول وهب بن منبه ، فعلى هذا مات طالوت على معصيته لأنه لم يتب من ذنبه . وروى مكحول ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { إِنَّ المُلُوكَ قَدْ قَطَعَ اللّه أَرْحَامَهُم فَلاَ يَتَوَاصَلُونَ حُبَّاً لِلْمُلْك حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُم لَيَقْتُلَ الأَبَ وَالإِبْنَ وَالأَخَ وَالعَمَّ ، إِلاَّ أَهْلُ التَّقْوَى وَقَلِيلٌ مَّا هُم ، وَلَزوَالُ جَبَلٍ عَن مَّوضِعِهِ أَهْوَنُ مِنْ زَوَالِ مُلْكِ لَمْ يَنْقَضِ }. { وَءَاتَاهُ اللّه الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ } يعني داود ، يريد بالملك السلطان وبالحكمة النبوة وكان ذلك عند موت طالوت بعد سبع سنين من قتل جالوت على ما حكاه ابن السائب .

ويحتمل وجهاً ثانياً : أن الملك الانقياد إلى طاعته ، والحكمة : العدل في سيرته ويكون ذلك بعد موت طالوت عند تفرده بأمور بني إسرائيل .

{ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } فيه وجهان :

أحدهما : صنعة الدروع والتقدير في السرد .

والثاني : كلام الطير وحكمة الزبور .

ويحتمل ثالثاً : أنه فعل الطاعات والأمر بها ، واجتناب المعاصي والنهي عنها ، فيكون على الوجه الأول { مِمَّا يَشَاءُ } داود ، وعلى الثاني : { مِمَّا يَشَاءُ } اللّه ، وعلى الثالث { مِمَّا يَشَاءُ } اللّه ويشاء داود .

{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأرضُ } .

في الدفع قولان :

أحدهما : أن اللّه يدفع الهلاك عن البر بالفاجر ، قاله عليّ كرم اللّه وجهه .

والثاني : يدفع بالمجاهدين عن القاعدين قاله ابن عباس .

وقوله تعالى : { لَّفَسَدَتِ الأرْضُ } فيه وجهان :

أحدهما : لفسد أهل الأرض .

والثاني : لعم الفساد في الأرض . وفي هذا الفساد وجهان :

أحدهما : الكفر .

والثاني : القتل .

﴿ ٢٥١