٢٥٥

اللّه لا إله . . . . .

قوله تعالى : { اللّه لآَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ } الآية . مُخْرَجة مخرج النفي أن يصح إله سوى اللّه ، وحقيقته إثبات إله واحد وهو اللّه ، وتقديره : اللّه الإله دون غيره .

{ الْحَيُّ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أنه سمى نفسه حياً لصَرْفِه الأمور مصارِفها ، وتقدير الأشياء مقاديرها ، فهو حي بالتقدير لا بحياة .

والثاني : أنه حي بحياة هي له صفة .

والثالث : أنه اسم من أسماء اللّه تَسَمَّى به ، فقلناه تسليماً لأمره . والرابع : أن المراد بالحي الباقي ، قاله السدي ، ومنه قول لبيد :

إذا ما تَرَيَنِّي اليومَ أصْبَحْتُ سَالِماً

فَلَسْتُ بِأحْيَا مِن كِلابٍ وَجَعْفَرِ

{ الْقَيُّومُ } قرأ عمر بن الخطاب القيام . وفيه ستة تأويلات :

أحدها : القائم بتدبير خلقه ، قاله قتادة .

والثاني : يعني القائم على كل نفس بما كسبت ، حتى يجازيها بعملها من حيث هو عالم به ، لا يخفى عليه شيء منه ، قاله الحسن .

والثالث : معنى القائم الوجود ، وهو قول سعيد بن جبير .

والرابع : أنه الذي لا يزول ولا يحول ، قاله ابن عباس .

والخامس : أنه العالم بالأمور ، من قولهم : فلان يقوم بهذا الكتاب ، أي هو عالم به .

والسادس : أنه اسم من أسماء اللّه ، مأخوذ من الاستقامة ، قال أمية بن أبي الصلت :

لم تُخلَق السماءُ والنجوم

والشمسُ معها قمر يقوم

قدّرهَا المهيمن القيوم

والحشر والجنة والحميم

إلاّ لأمرٍ شأنه عظيم

{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } السِّنةُ : النعاس في قول الجميع ، والنعاس ما كان في الرأس ، فإذا صار في القلب صار نوماً ، وفرَّق المفضل بينهما ، فقال : السِّنة في الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب . وما عليه الجمهور من التسوية بين السِّنة والنعاس أشبه ، قال عدي بن الرقاع :

وسْنَانُ أقصده النعاس فرنقت

في عينه سنة وليس بنائم

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : ما بين أيديهم : هو ما قبل خلقهم ، وما خلفهم : هو ما بعد موتهم .

والثاني : ما بين أيديهم : ما أظهروه ، وما خلفهم : ما كتموه .

{ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } أي من معلومه إلا أن يطلعهم عليه ويعلمهم إياه .

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ } في الكرسي قولان :

أحدهما : أنه من صفات اللّه تعالى .

والثاني : أنه من أوصاف ملكوته .

فإذا قيل إنه من صفات ففيه أربعة أقاويل :

أحدها : أنه علم اللّه ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنه قدرة اللّه .

والثالث : ملك اللّه .

والرابع : تدبير اللّه .

وإذا قيل إنه من أوصاف ملكوته ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه العرش ، قاله الحسن .

والثاني : أنه سرير دون العرش .

والثالث : هو كرسي تحت العرش ، والعرش فوق الماء . وأصل الكرسي العلم ، ومنه قيل للصحيفة فيها علم مكتوب : كراسة ، قال أبو ذؤيب : مالي بأمرك كرسيّ أكاتمه

ولا بكرسيّ عليم الغيب مخلوق

وقيل للعلماء : الكراسي ، لأنهم المعتمد عليهم كما يقال لهم : أوتاد الأرض ، لأنهم الذين بهم تصلح الأرض ، قال الشاعر :

يحف بهم بيضُ الوجوه وعُلية

كراسيُّ بالأحداث حين تنوبُ

أي علماء بحوادث الأمور ، فدلت هذه الشواهد ، على أن أصح

تأويلاته ، ما قاله ابن عباس ، أنه علم اللّه تعالى .

وقرأ يعقوب الحضرمي : وُسْعُ كرسيِّه السمواتُ والأرضُ بتسكين السين من وسع وضم العين ورفع السموات والأرض على الابتداء والخبر ، وفي تأويله وجهان :

أحدهما : لا يثقله حفظهما في قول الجمهور .

والثاني : لا يتعاظمه حفظهما ، حكاه أبان بن تغلب . وأنشد :

ألا بكِّ سلمى اليوم بت جديدها

وضَنّت وما كان النوال يؤودها

واختلفوا في الكناية بالهاء إلى ماذا تعود ؟ على قولين :

أحدهما : إلى اسم اللّه ، وتقديره ولا يُثقل اللّه حفظ السموات والأرض .

والثاني : تعود إلى الكرسي ، وتقديره ولا يثقل الكرسيَّ حفظهما .

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } في العلي تأويلان :

أحدهما : العلي بالاقتدار ونفوذ السلطان .

والثاني : العلي عن الأشباه والأمثال .

وفي الفرق بين العلي والعالي ، وجهان محتملان :

أحدهما : أن العالي هو الموجود في محل العلو ، والعلي هو مستحق العلو .

والثاني : أن العالي هو الذي يجوز أن يُشَارَكَ في علوه ، والعلي هو الذي لا يجوز أن يُشَارَكَ في علوه ، فعلى هذا الوجه ، يجوز أن نصف اللّه بالعليّ ، ولا يجوز أن نصفه بالعالي ، وعلى الوجه الأول يجوز أن نصفه بهما جميعاً .

﴿ ٢٥٥