٢٧٥

قوله عز وجل : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا } يعني يأخذون الربا فعبر عن الأخذ بالأكل لأن الأخذ إنما يراد للأكل ، والربا : هو الزيادة من قولهم : ربا السويق يربو إذا زاد ، وهو الزيادة على مقدار الدَّيْنِ لمكان الأجل .

{ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } يعني من قبورهم يوم القيامة ، وفيه قولان :

أحدهما : كالسكران من الخمر يقطع ظهراً لبطن ، ونسب إلى الشيطان لأنه مطيع له في سكره .

والثاني : قاله ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، والحسن : لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ ، يعني الذي يخنقه الشيطان في الدنيا من المس ، يعني الجنون ، فيكون ذلك في القيامة علامة لأكل الربا في الدنيا .

واختلفوا في مس الجنون ، هل هو بفعل الشيطان ؟

فقال بعضهم : هذا من فعل اللّه بما يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه ، ينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من إغوائه الذي يصرعه .

وقال آخرون : بل هو من فعل الشيطان بتمكين اللّه له من ذلك في بعض الناس دون بعض ، لأنه ظاهر القرآن وليس في العقل ما يمنعه .

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } قيل إنه يعني ثقيفاً لأنهم كانوا أكثر العرب رباً ، فلمّا نهوا عنه قالوا : كيف ننهى عن الربا وهو مثل البيع فحكى اللّه تعالى ذلك عنهم ، ثم أبطل ما ذكروه من التشبيه بالبيع فقال تعالى :

{ وَأَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وللشافعي في قوله : { وَأَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها من العامِّ الذي يجري على عمومه في إباحة كل بيع وتحريم كل ربا إلا ما خصهما دليل من تحريم بعض البيع وإحلال بعض الربا ، فعلى هذا اختلف في قوله ، هل هو من العموم الذي أريد به العموم ، أو من العموم الذي أريد به الخصوص على قولين :

أحدهما : أنه عموم أريد به العموم وإن دخله دليل التخصيص .

والثاني : أنه عموم أريد به الخصوص .

وفي الفرق بينهما وجهان : أحدهما : أن العموم الذي أريد به العموم : أن يكون الباقي من العموم من بعد التخصيص أكثر من المخصوص ، والعموم الذي أريد به الخصوص أن يكون الباقي منه بعد التخصيص أقل من المخصوص .

والفرق الثاني : أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدِّم على اللفظ ، وأن ما أريد به العموم متأخِر عن اللفظ ومقترن به ، [ هذا ] أحد أقاويله :

والقول الثاني : أنه المجمل الذي لا يمكن [ أن ] يستعمل في إحلال بيع أو تحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنّة الرسول ، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل .

وهذا فرق ما بين العموم والمجمل ، أن العموم يدل على إباحة البيوع في الجملة ولا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان . فعلى هذا القول أنها مجملة اختلف في إجمالها ، هل هو لتعارض فيها أو لمعارضة غيرها لها على وجهين :

أحدهما : أنه لمَّا تعارض ما في الآية من إحلال البيع وتحريم الربا وهو بيع صارت بهذا التعارض مجملة وكان إجمالها منها .

والثاني : أن إجمالها بغيرها لأن السنّة منعت من بيوع وأجازت بيوعاً فصارت بالسنة مجملة .

وإذا صح إجمالها فقد اختلف فيه :

هل هو إجمال في المعنى دون اللفظ ، لأن لفظ البيع معلوم في اللغة وإنما الشرع أجمل المعنى والحكم حين أحل بيعاً وحرّم بيعاً .

والوجه الثاني : أن الإجمال في لفظها ومعناها ، لأنه لما عدل بالبيع عن إطلاقه على ما استقر عليه في الشرع فاللفظ والمعنى محتملان معاً ، فهذا شرح القول الثاني .

والقول

الثالث : أنها داخلة في العموم والمجمل ، فيكون عموماً دخله التخصيص ، ومجملاً لحقه التفسير ، لاحتمال عمومها في اللفظ وإجمالها في

المعنى ، فيكون اللفظ عموماً دخله التخصيص ، والمعنى مجملاً لحقه التفسير .

والوجه الثاني : أن عمومها في أول الآية من قوله : { وَأَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ، وإجمالها في آخرها من قوله : { وَحَرَّمَ الرِّبَا } ، فيكون أولها عاماً دخله التخصيص ، وآخرها مجملاً لحقه التفسير .

والوجه

الثالث : أن اللفظ كان مجملاً ، فلما بَيَّنَهُ الرسول صار عاماً ، فيكون داخلاً في المجمل قبل البيان ، في العموم بعد البيان .

ثم قال تعالى : { فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّه فَانتَهَى } في الموعظة وجهان :

أحدهما : التحريم .

والثاني : الوعيد .

{ فَلَهُ مَا سَلَفَ } قاله السدي : يعني ما أكل من الربا لا يلزمه رَدُّه .

{ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّه } يحتمل وجهين :

أحدهما : في المحاسبة والجزاء .

والثاني : في العفو والعقوبة .

وقيل فيه وجه ثالث : في العصمة والتوفيق .

وقيل فيه وجه رابع : فأمره إلى اللّه والمستقل في تثبيته على التحريم أو انتقاله إلى الاستباحة .

﴿ ٢٧٥