٦

{ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى } أي اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم .

{ حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } يعني الحُلُم في قول الجميع .

{ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً } فيه أربع تأويلات :

أحدها : أن الرشد العقل ، وهو قول مجاهد ، والشعبي .

والثاني : أنه العقل والصلاح في الدين ، وهو قول السدي .

والثالث : أنه صلاح في الدين وإصلاح في المال ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، والشافعي .

والرابع : أنه الصلاح والعلم بما يصلحه ، وهو قول ابن جريج .

{ فَادْفَعُواْ إِلَيْهِم أَمْوَالَهُمْ } يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم .

{ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا } يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح اللّه لكم ، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح ، فربما

كان في الإفراط ، وربما كان في التقصير ، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً ، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف .

قوله تعالى : { وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } قال ابن عباس : وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر ، فيحول بينك وبين ماله .

{ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } يعني بماله عن مال اليتيم . { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد ، وهو قول عمر ، وابن عباس ، وجمهور التابعين .

والثاني : أنه يأكل ما يسد الجوعة ، ويلبس ما يواري العورة ، ولا قضاء ، وهو قول الحسن ، وإبراهيم ، ومكحول ، وقتادة .

روى شعبة عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة _ وثابت يومئذ يتيم في حجره ، أتى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال : يا نبي اللّه إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ؟ قال : { أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيرِ أن تقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلاَ تَتَّخِذْ مِنْ مَالِهِ وَقْراً }.

والثالث : أن يأكل من ثمره ، ويشرب من رِسْلِ ماشيته من غير تعرض لِمَا سوى ذلك من فضة أو ذهب ، وهو قول أبي العالية ، والشعبي .

روى القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاماً ، وإن لهم إبلاً ، فماذا يحل لي منها ؟ فقال : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباءَها ، وتلوط حوضها ، وتفرط عليها يوم وِرْدِهَا ، فاشرب من ألبانها غير مُضِرِّ بنسل ، ولا بأهل في الحلب .

والرابع : أن يأخذ إذا كان محتاجاً أجرةً معلومة على قدر خدمته ، وهو قول عطاء .

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال : ليس

لي مال ولي يتيم ، فقال : { كُلْ مِنْ مَالِ يَتيمِكَ غَيرَ مُسْرِفٍ وَلاَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ }. { فَإِذَا دَفَعْتُم إِلَيْهِم أَمْوَالَهُم فَأَشْهِدُواْ عَلَيهِم } ليكون بيِّنةَ في دفع أموالهم إليهم .

{ وَكَفَى بِاللّه حَسِيباً } فيه قولان :

أحدهما : يعني شهيداً .

والثاني : كافياً من الشهود .

﴿ ٦