١١

يوصيكم اللّه في . . . . .

قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللّه فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } روى السدي قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ، لا يورثون الرجل من ولده إلاّ من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كُجّة ، وترك خمس أخوات ، فجاءت الورثة فأخذوا ماله ، فشكت أم كجة ذلك للنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .

{ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } ففرض للثلاث من البنات ، إذا انفردت عن ذَكَرٍ ، الثلثين ، وفَرْضُ الواحدة إذا انفردت النصف ، واختلف في الثنتين ، فقال ابن عباس النصف ، من أجل

قوله تعالى : { فَوقَ اثْنَتَيْنِ } وذهب الجماعة إلى أن فرضهما الثلثان كالثلاث فصاعداً اعتباراً بالأخوات .

ثم قال تعالى { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ } قال ابن عباس : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ اللّه تعالى ذلك ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس .

ثم قال : { مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ } فسّوى بين كل واحد من الوالدين مع وجود الولد في أن لكل واحد منهما السدس ، ثم فاضل بينهما مع عدم الولد مع أن جعل للأم الثلث والباقي للأب ، وإنما كان هكذا لأن الأبوين مع الولد يرثان فرضاً بالولادة التي قد استويا فيها ، فسوّى بين فرضهما ، وإذا عَدِمَ الولد ورثت الأم فرضاً لعدم التعصب فيها ، وورث الأب بالتعصيب ، لأنه أقوى ميراثاً ، وجعل فرضها شطر ما حازه الأب بتعصيبه ، ليصير للذكر مثل حظ الأنثيين .

{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ } فلا خلاف أن الثلاثة من الأخوة يحجبونها من الثلث الذي هو أعلى فرضها إلى السدس الذي هو أقله ، ويكون الباقي بعد سدسها للأب .

وحُكِيَ عن طاووس أنه يعود على الإِخوة دون الأب ليكون ما حجبوها عنه عائداً عليهم لا على غيرهم . وهذا خطأ من وجهين :

أحدهما : أن الأب يُسقِط من أدلى به كالجد .

والثاني : أن العصبة لا يتقدر لهم في الميراث فرض كالأبناء .

فأما حجب الأم بالأخوين ، فقد منع منه ابن عباس تمسكاً بظاهر الجمع في

قوله تعالى : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } وخالفه سائر الصحابة مُحَجِّبُوا الأم بالأخوين فصاعداً ، وإن لم تحجب بالأخ الواحد لأن لفظ الجمع لا يمنع أن يوضع موضع التثنية نحو

قوله تعالى : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } " [ التحريم : ٤ ] مع أن الاثنتين تقومان في الفرائض مقام الجمع الكامل ، كالأخوات ، وولد الأم .

{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَينٍ } فقدم الدين والوصية على الميراث ، لأن الدين حق على الميت ، والوصية حق له ، وهما مقدمان على حق ورثته ، ثم قدم الدين على الوصية وإن كان في التلاوة مؤخراً ، لأن ما على الميت من حق أولى أن يكون مقدماً على ما له من حق . وقد روى ابن إسحاق عن الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال : إنكم تقرؤون هذه الآية { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَينٍ } وإن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قضى بالدين قبل الوصية فإن قيل : فَلِمَ قدم ذكر الوصية على الدين إن كان في الحكم مؤخراً ؟ قيل لأن { أَوْ } لا توجب الترتيب وإنما توجب إثبات أحد الشيئين مفرداً أو مصحوباً ، فصار كأنه قال : من بعد أحدهما أو من بعدهما . { ءَابآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } يعني في الدين أو الدنيا .

﴿ ١١