٦٠

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوآ أَن يَكْفُرواْ بِهِ } اختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين :

أحدهما : أنها نزلت في رجل من المنافقين ورجل من اليهود كان بينهما خصومة ، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك لأني أعلم أنهم لا يقبلون الرشوة ، وقال المنافق : أحاكمك إلى اليهود منهم كعب بن الأشرف ، لأنه علم أنهم يقبلون الرشوة ، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة ، فأنزل اللّه فيهما هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني المنافق { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني اليهودي . { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } يعني الكاهن ، وهذا قول الشعبي ومجاهد .

والثاني : أنها نزلت في رجلين من بني النضير وبني قريظة ، وكانت بنو

قريظة في الجاهلية إذا قتلت رجلاً من بني النضير أقادوا من القاتل ، وكانت بنو النضير في الجاهلية إذا قتلت رجلاً من بني قريظة لم تَقُد من القاتل وأعطوا ديته ستين وَسْقاً من تمر ، فلما أسلم ناس من بني قريظة وبني النضير ، قتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة فتحاكمواْ إلى النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فقال النَّضِيِرِيُّ لرسول اللّه : إنا كنَّا في الجاهلية نعطيهم الدية ستين وَسَقاً من تمر ، فنحن نعطيهم اليوم ذلك ، وقالت بنو قريظة : نحن إخوان في النسب والدين وإنما كان ذلك عليه الجاهلية وقد جاء الإسلام ، فأنزل اللّه تعالى يعيِّرهم بما فعلواْ { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } " [ المائدة : ٤٥ ] ، ثم ذكر قول بني النضير { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } " [ المائدة : ٥٠ ] ثم أَخَذَ النَّضِيرِيَّ فقتله بالقرظي ، فتفاخرت النضير وقريظة ودخلواْ المدينة ، فتحاكموا إلى أبي بردة الأسلمي الكاهن ، فأنزل اللّه في ذلك { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُم ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ } " [ النساء : ٦٠ ] يعني في الحال ، { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني حين كانوا يهوداً . { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ } يعني أبا بردة الأسلمي الكاهن ، وهذا قول السدي .

﴿ ٦٠