٣

قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } فيها تأويلان .

أحدهما : أنه كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره .

والثاني ، أنه كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير ذكاة .

{ وَالدَّمُ } فيه قولان :

أحدهما : أن الحرام منه ما كان مسفوحاً ك

قوله تعالى : { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } الثاني : أنه كل دم مسفوح وغير مسفوح ، إلا ما خصته اسنة من الكبد والطحال ، فعلى القول الأول لا يحرم السمك ، وعلى الثاني يحرم .

{ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ } فيه قولان :

أحدهما : أن التحريم يختص بلحم الخنزير دون شحمه ، وهذا قول داود .

والثاني : أنه يعم اللحم وما خالطه من شحم وغيره ، وهو قول الجمهور ، ولا فرق بين الأهلي منه والوحشي .

{ وَمآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ } يعني ما ذبح ليغر اللّه من الأصنام والأوثان ، أصله من استهلال الصبي إذا صاح حين يسقط من بطن أمه ، ومنه أهلال المُحْرِم بالحج والعمرة ، قال ابن أحمر :

يهل بالفرقد ركبانها

كما يهل الراكب المعتمر

{ وَالْمُنْخَنِقَةُ } فيها قولان :

أحدهما : أنها تخنق بحبل الصائد وغيره حتى تموت ، وهو قول السدي ، والضحاك .

والثاني : أنها التي توثق ، فيقتلها خناقها .

{ وَالْمَوقُوذَةُ } هي التي تضرب بالخشب حتى تموت ، يقال : { وقذتها أقذها وقذاً ، وأوقذها أيقاذاً ، إذا أثخنتها ضرباً } ، ومنه قول الفرزدق :

شغارة تقذ الفصيل برجلها

فطَّارة لقوادم الأبكار

{ وَالْمُتَردِيَةُ } هي التي تسقط من رأس جبل ، أو بئر حتى تموت .

{ وَالنَّطِيحَةُ } هي الشاة التي تنطحها أخرى حتى تموت .

{ وَمآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان :

أحدهما : يعنى من المنخنقة وما بعدها ، وهو قول علي رضي اللّه عنه ، وابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، والجمهور .

والثاني : أنه عائد إلى ما أكل السبع خاصة ، وهو محكي عن الظاهرية . وفى مأكولة السبع التي تحل بالذكاة قولان :

أحدهما : أن تكون لها عين تطرف أو ذنب يتحرك .

والثاني : أن تكون فيها حركة قوية لا كحركة المذبوح ، وهو قول الشافعي ، ومالك .

{ . . . . وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ } معناه أن تطلبوا علم ما قُسِّمَ أو لم يُقَسَّم من رزق أو حاجة بالأزلام ، وهي قداح ثلاثة مكتوبة على

 أحدها : أمرني ربي ، والآخر : نهاني ربي ،

والثالث : غفل لا شيء عليه ، فكانوا إذا أرادوا سفراً ، أو

غزواً ، ضربوا بها واستسقسموا ، فإن خرج أمرني ربي فعلوه ، وإن خرج نهاني ربي تركوه ، وإن خرج الأبيض أعادوه ، فنهى اللّه عنه ، فَسُمِّي ذلك استقساماً ، لأنهم طلبوا به علم ما قُسِمَ لهم .

وقال أبو العباس المبرد : بل هو مشتق من قَسَم اليمين ، لأنهم التزموا ما يلتزمونه ، باليمين .

{ ذَالِكُمْ فِسْقٌ } أى خروج عن أمر اللّه وطاعته ، وفعل ما تقدم نهيه عنه ،

{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } فيه قولان :

أحدهما : أن ترتدوا عنه راجعين إلى دينهم . والثاني : أن يقدروا على إبطاله ويقدحوا فى صحته .

قال مجاهد : كان ذلك يوم عرفة حين حج النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) حجة الوداع ، بعد دخول العرب الإِسلام حتى لم ير النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) مشركاً .

{ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } أى لا تخشوهم أن يظهروا عليكم ، واخشونِ ، أن تخالفوا أمري .

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فيه قولان :

أحدهما : أنه يوم عرفة فى حجة الوداع ولم يعش [ الرسول ( صلى اللّه عليه وسلم ) ] بعد ذلك إلاَّ إحدى وثمانين ليلة ، وهذا قول ابن عباس ، والسدي .

والثاني : أنه زمان النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) كله إلى أنْ نَزَل ذلك عليه يوم عرفة ، وهذا قول الحسن .

وفي إكمال الدين قولان :

أحدهما : يعني أكملت فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي ، ولم ينزل على النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) من الفرائض من تحليل ولا تحريم ، وهذا قول ابن عباس والسدي .

والثاني : يعني اليوم أكملت لكم حجتكم ، أن تحجوا البيت الحرام ، ولا يحج معكم مشرك ، وهذا قول قتادة ، وسعيد ابن جبير .

{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بإكمال دينكم .

{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } أي رضيت لكم الاستسلام لأمري ديناً ، اي طاعة .

روى قبيصة قال : قال كعب لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية ، لعظموا اليوم ، الذى أُنْزِلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه ، فقال عمر : قد علمت اليوم الذى أُنزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة ، وكلاهما - بحمد اللّه - لنا عيد .

{ فَمَنِ آضْطُرَّ } أي أصابه ضر الجوع .

{ فِي مَخْمَصَةٍ } أي في مجاعة ، وهي مَفْعَلة مثل مجهلة ومبخلة ومجبنة ومخزية من خمص البطن ، وهو اصطباره من الجوع ، قال الأعشى :

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم

وجاراتكم غرقى يبتن خماصا

{ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثمٍ } فيه قولان :

أحدهما : غير متعمد لإِثم ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد .

والثاني : غير مائل إلى إثم ، وأصله من جنف القوم إذا مالوا ، وكل أعوج عند العرب أجنف .

وقد روى الأوزاعي عن حسان عن عطية عن أبي واقد الليثي قال : قلنا

يا رسول اللّه إنا بأرض يصيبنا فيها مخمصة ، فما يصلح لنا من الميتة ؟ قال : { إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَجْنِفُوا بها ، فَشَأْنُكُم بِّهَا } واختلف فى وقت نزول هذه السورة على ثلاثة أقاويل .

أحدها : أنها نزلت في يوم عرفة ، روى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة المائدة جميعاً وأنا آخذة بزمان ناقة رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) العضباء وهو واقف بعرفة فكادت من ثقلها أن تدق عضد الناقة .

والثاني : أنها نزلت فى مسيره ( صلى اللّه عليه وسلم ) في حجة الوداع ، وهو راكب ، فبركت به راحلته من ثقلها .

والثالث : أنها نزلت يوم الاثنين بالمدينة ، وهو قول ابن عباس ، وقد حُكِيَ عنه القول الأول .

﴿ ٣