٤قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } يعني بالطيبات الحلال ، وإنما سمي الحلال طيباً ، وإن لم يكن مستلذاً تشبيهاً بما يستلذ . { وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } يعني وصيد ما علمتم من الجوارح ، وهي الكواسب من سباع البهائم والطير ، سميت جوارح لكسب أهلها بها من قولهم : فلان جارحة أهله أي كاسبهم ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة : ذا جبار منضجاً ميسمه يذكر الجارح ما كان اجترح أي ما اكتسب . وفي قوله : { مُكَلِّبِينَ } ثلاثة أقاويل . أحدها : يعني من الكلاب دون غيرها ، وأنه لا يحل إلا صيد الكلاب وحدها ، وهذا قول ابن عمر ، والضحاك ، والسدي . والثاني : أن التكليب من صفات الجوارح من كلب وغيره ، ومعناه مُضْرِين على الصيد كما تَضْرِي الكلاب ، وهو قول ابن عباس ، وعلي بن الحسين ، والحسن ، ومجاهد . والثالث : أن معنى التكليب من صفات الجارح : التعليم . { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا علَّمَكُمُ اللّه } أى تعلمونهن من طلب الصيد لكم مما علمكم اللّه من التأديب الذي أدبكم وصفات التعليم التي بيَّن حكمها لكم . فأما صفة التعليم ، فهو أن يُشلَى إذا أُشلي ، ويجيب إذا دعي ويمسك إذا أخذ . وهل يكون إمساكه عن الأكل شرطاً فى صحة التعليم أم لا ؟ على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه شرط في كل الجوارح ، فإن أكلت لم تؤكل ، وهذا قول ابن عباس ، وعطاء . والثاني : أنه ليس بشرط فى كل الجوارح ويؤكل وإن أكلت ، وهذا قول ابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وسلمان . والثالث : أنه شرط في جوارح البهائم فلا يؤكل ما أكلت ، وليس بشرط في جوارح الطير ، فيؤكل وإن أكلت ، وهذا قول الشعبي ، والنخعي ، والسدي . واختلف فى سبب نزول هذه الآية على قولين : أحدهما : ما روى القعقاع بن حكيم عن سليمان بن أبي رافع عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ليستأذن عليه ، فقال إذِنَّا لك ، فقال أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ، قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها ثم جئت إلى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فأخبرته ، فأمرني بقتله ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاؤوا ، فقالوا : يا رسول اللّه ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ، قال فسكت رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فأنزل اللّه تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ } الآية . والثاني : ما حكي أن زيد الخيل لَمَّا وفد على النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال فيه من الخير ما قال فسماه زيد الخير ، فقال : يا رسول اللّه فينا رجلان ، يقال لأحدهما دريح ، والآخر يكنى أبا دجانة ، لهما أَكْلُب خمسة تصيد الظباء ، فما ترى في صيدها ؟ وحكى هشام عن ابن عباس أن أسماء هذه الكلاب الخمسة التي لدريح وأبي دجانة : المختلس وغلاب والغنيم وسهلب والمتعاطي ، قال : فأنزل اللّه تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } الآية . |
﴿ ٤ ﴾