٤

قوله عز وجل : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } الآية ، هذا إخبار من اللّه تعالى عن حال من أهلكه بكفر تحذيراً للمخاطبين به عن مثله ، وقوله : { وَكَم } هي كلمة توضع للتكثير ، { ورُب } موضوعة للتقليل ، وذلك هو الفرق بين كم ورب .

قال الفرزدق :

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت على عشاري

فدل ذلك على تكثير العمات والخالات :

وفي قوله : { أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتَاً } وإنما الهلاك بعد مجيء البأس أربعة أوجه :

أحدها : معناه أهلكناها حكماً فجاءها بأسنا فعلاً .

والثاني : أهلكناها بإرسال الملائكة إليها بالعذاب فجاءها بأسنا بوقوع العذاب لهم .

والثالث : أهلكناها بخذلاننا لها عن الطاعة فجاءها بأسنا عقوبة على المعصية .

والرابع : أن البأس والهلاك وقعا معاً في حال واحدة ، لأن الهلاك كان بوقوع البأس فلم يفترقا ، وليس دخول الفاء بينهما موجبة لافتراقهما بل قد تكون بمعنى الواو كما يقال أعطيت وأحسنت ، فكان الإحسان بالعطاء ولم يكن بعد العطاء ، قاله الفراء .

وقوله : { بَيَانَاً } يعني في نوم الليل .

{ أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } يعني في نوم النهار وقت القائلة .

فإن قيل : فلم جاءهم بالعذاب في وقت النوم دون اليقظة ؟ قيل : لأمرين :

أحدهما : لأن العذاب في وقت الراحة أشد وأغلظ .

والثاني : لئلا يتحرزوا منه ويهربوا عنه ، لاستسلام النائم وتحرز المستيقظ ، والبأس : شدة العذاب ، والبؤس : شدة الفقر .

﴿ ٤