٤٤ونادى أصحاب الجنة . . . . . قوله عز وجل : { . . . وَعَلَى الأَعَرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمُ } أما الأعراف فسور بين الجنة والنار ، قاله مجاهد ، والسدي ، وهو جَمْعٌ وَاحِدُهُ عُرْف وهو ما ارتفع عن غيره ، ومنه عرف الديك وعرف الفرس ، قال الراجز : كل كتاب لجمعه موافي كالعلم الموفي على الأعراف . وفي الذين على الأعراف خمسة أقاويل : أحدها : أنهم فضلاء المؤمنين وعلماؤهم ، قاله الحسن ، ومجاهد ، قال أمية بن أبي الصلت : وآخرون على الأعراف قد طمعوا بجنة حفها الرمان والخضر . وهذا وإن كان شعراً جاهلياً وحال الأعراف منقول عن خبر يروى فيحتمل أمرين : أحدهما : أن يكون أمية قد وصل إلى علمه من الصحف الشرعية . والثاني : أن يكون اللّه قد انطق به أمية إلهاماً لتصديق ما جاء به القرآن . والثاني : أنهم ملائكة يُرَون في صور الرجال ، قاله أبو مجلز . والثالث : أنهم قوم بطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس ، قاله حذيفة . والرابع : أنه قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك حتى يقضى اللّه من أمرهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة ، قاله ابن مسعود . والخامس : أنهم قوم قتلوا في سبيل اللّه وكانوا عصاة لآبائهم ، قيل إنهم غزوا بغير إذنهم ، وقد روى محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال : سُئل رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن أصحاب الأعراف فقال : { هُمْ قَومٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه بِمَعْصِيةِ آبَائِهِمْ ، فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه عَنِ النَّارِ ومنعهم مَعْصِيَةُ آبَائِهِم أَنْ يَدْخُلُواْ الجَنَّةَ } ومعنى قوله : { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } يعني يعرفون أهل النار وأهل الجنة بعلامتهم التي يتميزون بها ، وعلامتهم في وجوههم وأعينهم ، قال الحسن البصري : علامة أهل النار سواد الوجوه وزرقة العيون ، وعلامة أهل الجنة بياض الوجوه وحسن العيون . فإن قيل في أصحاب الأعراف : إنهم فضلاء المؤمنين كان ذلك زيادة في ثوابهم ومبالغة في كرامتهم لأنهم يرون منازلهم في الجنة فيستمتعون بها ، ويرون عذاب النار فيفرحون بالخلاص منها . وإن قيل : إنهم المفضلون وأصحاب الصغائر من المؤمنين كان ذلك لنقص ثوابهم عن استحقاق الدخول للجنة . وإن قيل : إنهم الملائكة ، احتمل أمرهم ثلاثة أوجه : أحدها : أن يؤمروا بذلك حمداً لأهل الجنة وذماً لأهل النار وزيادة في الثواب والعقاب . والثاني : أن يكونوا حفظة الأعمال في الدنيا الشاهدين بها عند اللّه في الآخرة أمروا بذلك ، ما أدوه من الشهادة تبشيراً لأهل الجنة وتوبيخاً لأهل النار . والثالث : أن يكونوا خزنه الجنة والنار ، فإن من الملائكة من أفرد لخزنة الجنة ، ومنهم من أفرد لخزنة النار ، ويكون هؤلاء قد جمع لهم بين الأمرين ، واللّه أعلم بغيب ذلك . وحكى ابن الأنباري أن قوله : { وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ } معناه على معرفة أهل الجنة والنار رجال ، وأن قوله : { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوفٌ عَلَيكُم } الآية من قول أصحاب الأعراف ، وهو مخالف لقول جميع المفسرين . |
﴿ ٤٤ ﴾