سورة الأنفال

١

قوله عز وجل : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ للّه وَالرَّسُولِ } وهذا الخطاب لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) حين سأله أصحابه يوم بدر عن الأنفال .

وفي هذه الأنفال التي سألوه عنها خمسة أقاويل :

أحدها : أنها الغنائم ، وهذا قول ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ،

الثاني : أنها السرايا التي تتقدم الجيش ، وهذا قول الحسن .

الثالث : الأنفال ما ندّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من دابة أو عبد ، وهذا أحد قولي ابن عباس .

الرابع : أن الأنفال الخمس من الفيء والغنائم التي جعلها اللّه تعالى لأهل الخمس ، وهذا قول مجاهد .

الخامس : أنها زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش لما قد يراه من الصلاح .

والأنفال جمع نَفَل ، وفي النفل قولان :

أحدهما : أنه العطية ، ومنه قيل للرجل الكثير العطاء : نوفل ، قال الشاعر :

يأتي الظلامة منه النوفل الزُّفَرُ

فالنوفل : الكثير العطاء . والزفر : الحمال للأنفال ، ومنه سمي الرجل زفر .

والقول الثاني : أن النفل الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة . قال لبيد بن ربيعة :

إن تقوى ربنا خير نفل

وبإذن اللّه ريثي وعجل

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية على أربعة أقاويل :

أحدها : ما رواه ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) { مَنْ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكذَا } فسارع إليه الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح اللّه تعالى عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم ، فأنزل اللّه تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ } الآية .

الثاني : ما روى محمد بن عبيد بن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم بدر قُتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميةَ وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فجئت به النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقلت : هبه لي يا رسول اللّه ، فقال : { اطْرَحْهُ فِى القَبض } فطرحته ورجعت وبي من الغم ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي ، قال : فما تجاوزت إلا قريباً حتى نزلت عليه سورة الأنفال فقال : { اذْهَبْ فُخُذْ سَيْفَك }.

الثالث : أنها نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً فاختلفوا وكانوا أثلاثاً فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ } الآية . فملّكه اللّه رسوله فقسمه كما أراه اللّه ، قاله عكرمة والضحاك وابن جريج .

والرابع : أنهم لم يعلموا حكمها وشكّوا في إحلالها لهم مع تحريمها على من كان قبلهم فسألوا عنها ليعلموا حكمها من تحليل أو تحريم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .

ثم اختلف أهل العلم في نسخ هذه الآية على قولين :

أحدهما : أنها منسوخة ب

قوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } " [ الانفال : ٤١ ] . الآية ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، والسدي .

والقول الثاني : أنها ثابتة الحكم ومعنى ذلك ؛ قل الأنفال للّه ، وهي لا شك للّه مع الدنيا بما فيها والآخرة ، والرسول يضعها في مواضعها التي أمره اللّه بوضعها فيها ، قاله ابن زيد .

{ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يرد أهل القوة على أهل الضعف .

الثاني : أن يسلِّموا للّه وللرسول ليحكما في الغنيمة بما شاء اللّه .

﴿ ١