٤١

قوله عز وجل : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } ذكر اللّه تعالى الفيء في سورة الحشر والغنيمة في هذه السورة .

واختلفوا في الفيء والغنيمة على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن الغنيمة ما ظهر عليه من أموال المشركين والفيء ما ظهر عليه من الأرض ، قاله عطاء بن السائب .

والثاني : أن الغنيمة ما أخذ عنوة ، والفيء ما أخذ عن صلح ، قاله الشافعي وسفيان الثوري .

والثالث : أن الفيء والغنيمة سواء وهو كل مال أخذ من المشركين ، وآية الفيء التي هي في سور الحشر منسوخة بآية الغنيمة التي في سورة الأنفال ، قاله قتادة .

وقوله تعالى { مِّن شَيْءٍ } يريد جميع ما وقع عليه اسم شيء مباح حواه المسلمون من أموال المشركين .

{ فإن للّه خُمُسَهُ }

أحدهما : أنه استفتاح كلام ، فللّه الدنيا والآخرة وما فيهما ، ومعنى الكلام فأن للرسول خمسه ، قاله الحسن وعطاء وقتادة وإبراهيم والشافعي ، وروى نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) إذا بعث سرّية فغنموا خمّس الغنيمة فصرف ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ { وَاعلَمُواْ أَنَّمَا مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } وإنما قوله { فَأَنَّ للّه خُمُسهُ } مفتاح كلام ، وللّه ما في السموات وما في الأرض فجعل سهم اللّه وسهم الرسول واحد .

والثاني : أن سهم اللّه مستحق لبيته ، ومعناه فإن لبيت اللّه خمسه وللرسول وقد روى الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي قال : كان رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) يؤتى

بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل .

وقوله تعالى { وَلِلرَّسُولِ } فيه قولان :

أحدهما : أنه مفتاح كلام اقترن بذكر اللّه وليس للرسول من ذلك شيء كما لم يكن للّه من ذلك شيء ، وأن الخمس مقسوم على أربعة أسهم ، وهذا قول ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة .

والثاني : أن ذلك للرسول وهو قول الجمهور .

واختلفوا في سهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بعده على خمسة أقاويل :

أحدها : أنه للخليفة بعده ، قاله قتادة .

والثاني : أنه لقرابة النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) إرثاً ، وهذا قول من جعل النبي موروثاً .

والثالث : أن سهم الرسول ( صلى اللّه عليه وسلم ) مردود على السهام الباقية ويقسم الخمس على أربعة .

والرابع : أنه مصروف في مصالح المسلمين العامة ، قاله الشافعي . والخامس : أن ذلك مصروف في الكراع والسلاح ، وروي أن ذلك فعل أبي بكر وعمر ، رواه النخعي . أما قوله تعالى { وَلِذِي الْقُرْبَى } فاختلف فيه على ثلاثة أقاويل :

 أحدها : أنهم بنو هاشم ، قاله مجاهد .

والثاني : أنهم قريش كلها ، روى سعيد المقري قال : كتب نجدة إلى عبد اللّه بن عباس يسأله عن ذي القربى ، قال : فكتب إليه عبد اللّه بن عباس : كنا نقول إننا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلها ذوو قربى .

الثالث : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، قاله الشافعي والطبري .

واختلفوا في سهمهم اليوم على أربعة أقاويل :

أحدها : أنه لهم أبداً كما كان لهم من قبل ، قاله الشافعي .

والثاني : أنه لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة .

والثالث : أنه إلى الإمام يضعه حيث شاء .

والرابع : أن سهمهم وسهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) مردود على باقي السهام وهي ثلاثة ، قاله أبو حنيفة .

وأما { وَالْيَتَامَى } فهم من اجتمعت فيهم أربعة شروط :

أحدها : موت الأب وإن كانت الأم باقية ، لأن يتم الآدميين بموت الآباء دون الأمهات ويتم البهائم بموت الأمهات دون الآباء . والثاني : الصغر ، لقول رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { لاَ يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ }.

والثالث : الإٍسلام لأنه مال المسلمين .

والرابع : الحاجة لأنه معد للمصالح .

ثم فيهم قولان :

أحدهما : أنه لأيتام أهل الفيء خاصة .

والثاني : أنه لجميع الأيتام .

وأما { الْمَسَاكِينِ } فهم الذين لا يجدون ما يكفيهم .

وأما أبناء السبيل فهم المسافرون من ذوي الحاجات ، والإٍسلام فيهم معتبر . وهل يختص بأله الفيء ؟ على القولين . وقال مالك : الخمس موقوف على رأي الإمام فيمن يراه أحق به ، وإنما ذكرت هذه الأصناف لصدق حاجتها في وقتها .

قوله عز وجل { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَومَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } وهو يوم بدر فرق اللّه تعالى فيه بين الحق والباطل .

﴿ ٤١