١٤

قوله عز وجل { له دعوة الحق } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن دعوة الحق لا إله إلا اللّه ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه اللّه تعالى هو الحق ، فدعاؤه دعوة الحق .

الثالث : أن الإخلاص في الدعاء هي دعوة الحق ، قاله بعض المتأخرين .

ويحتمل قولاً رابعاً : أن دعوة الحق دعاؤه عند الخوف لأنه لا يدعى فيه إلا إياه ، كما قال تعالى { ضلّ من تدعون إلا إياه } " [ الإسراء : ٦٧ ] هو أشبه بسياق الآية لأنه قال :

{ والذين يدعون مِن دونه } يعني الأصنام والأوثان .

{ لا يستجيبون لهم بشيء } أي لا يجيبون لهم دعاءً ولا يسمعون لهم نداء .

{ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } ضرب اللّه عز وجل الماء مثلاً لإياسهم من إجابة دعائهم لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلاً بالقابض الماء باليد ، كما قال أبو الهذيل :

فأصبحتُ مما كان بيني وبينها

مِن الود مثل القابض الماء باليد

وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الذي يدعو إلهاً من دون اللّه كالظمآن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه ، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً ، لأن الماء لا يستجيب له وما الماء ببالغ إليه ، قاله مجاهد .

الثاني : أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفر فيه ليبلغ فاه ، وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه ، قاله ابن عباس .

الثالث : أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه .

وزعم الفراء أن المراد بالماء ها هنا البئر لأنها معدن للماء ، وأن المثل كمن مد

يده إلى البئر بغير رشاء ، وشاهده قول الشاعر :

فإن الماء ماءُ أبي وجدي

وبئري ذو حَفَرْتُ وذو طويت

﴿ ١٤