سورة الحج

مدنية كلها ، وقال ابن عباس إلا أربع آيات مكيات ، من قوله سبحانه { وما أرسلنا من قبلك من رسول } إلى آخر الأربع . وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلها إلا آيتين من

قوله تعالى : { ومن الناس من يعبد اللّه على حرف } وما بعدها ، لأن { يا أيها الذين آمنوا } مدني و { يا أيها الناس } مكي .

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

يا أيها الناس . . . . .

قوله عز وجل : { يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } في زلزلتها قولان :

أحدهما : أنها في الدنيا ، وهي أشراط ظهورها ، وآيات مجيئها .

والثاني : أنها في القيامة .

وفيها قولان :

أحدهما : أنها نفخ الصور للبعث

والثاني : أنها عند القضاء بين الخلق .

٢

{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا } يعني زلزلة الساعة

. { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } وفيه أربعة أوجه

 أحدها : تسلو كل مرضعة عن ولدها ، قاله الأخفش .

والثاني : تشتغل عنه ، قاله قطرب ، ومنه قول عبد اللّه بن رواحة :

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

والثالث : تلهو عنه ، قاله الكلبي ، ومنه قول امرىء القيس:

أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت

أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ

والرابع : تنساه ، قاله اليزيدي ، قال الشاعر :

تطاولت الأيام حتى نسيتها كأنك عن يوم القيامة ذاهل

{ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } قال الحسن : تذهل الأم عن ولدها لغير فطام ، وتلقي الحامل ما في بطنها لغير تمام .

{ وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى } قال ابن جريج : هم سكارى من الخوف ، وما هم بسكارى من الشراب .

٣

قوله عز وجل : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّه بِغَيْرِ عِلْمٍ } فيه قولان

: أحدهما : أن يخاصم في الدين بالهوى ، قاله سهل بن عبد اللّه .

والثاني : أن يرد النص بالقياس ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث .

٤

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)

٧

يا أيها الناس . . . . .

قوله عز وجل : { يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } يعني آدم .

{ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } يعني ولده .

{ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ } يعني أن النطفة تصير في الرحم علقة .

{ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } يعني أن العلقة تصير مضغة ، وذلك مقدار ما يمضع من اللحم .

{ مُّخَلَّقَةٍ وَغِيْرِ مُخَلَّقَةٍ } فيه أربعه تأويلات

 أحدها : أن المخلقة ما صار خلقاً ، وغير مخلقة ما دفعته الأرحام من النطف فلم يصير خلقاً ، وهو قول ابن مسعود .

والثاني : معناه تامة الخلق وغير تامة الخلق ، وهذا قول قتادة .

والثالث : معناه مصورة وغير مصورة كالسقط ، وهذا قول مجاهد .

والرابع : يعني التام في شهوره ، وغير التام ، قاله الضحاك ، قال الشاعر :

أفي غير المخلقة البكاءُ

فأين العزم ويحك والحَياءُ

{ لِّنُبيِّنَ لَكُمْ } يعني في القرآن بدء خلقكم وتنقل أحوالكم

. { وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلّى أَجَلٍ مُّسَمًّى } قال مجاهد : إلى التمام

. { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } وقد ذكرنا عدد الأشُدّ

. { وَمِنْكُم مَّن يُتَوَفّى } فيه وجهان

: أحدهما : يعني قبل أن تبلغ إلى أرذل العمر .

والثاني : قبل بلوغ الأَشُدّ .

{ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } فيه ثلاثة أوجه

 أحدها : الهرم ، وهو قول يحيى بن سلام .

والثاني : إلى مثل حاله عند خروجه من بطن أمّه ، حكاه النقاش .

والثالث : ذهاب العقل ، قاله اليزيدي .

{ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } فيه وجهان

: أحدهما : لا يستفيد علماً ما كان به عالماً .

الثاني : لا يعقل بعد عقله الأول شيئاً .

ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً : أنه لا يعمل بعد علمه شيئاً ، فعبر عن العمل بالعلم [ لافتقاره إليه لأن تأثير الكبر في العمل أبلغ من تأثيره في العلم ] .

{ وتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً } فيه ثلاثة تأويلات

 أحدها : غبراء ، وهذا قول قتادة .

والثاني : يابسة لا تنبت شيئاً ، وهذا قول ابن جريج .

والثالث : أنها الدراسة ، والهمود : الدروس ، ومنه قول الأعشى :

قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً

وأرى ثيابك باليات همَّدا

{ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } وفي { اهْتَزَّتْ } وجهان :

أحدهما : معناه أنبتت ، وهو قول الكلبي .

والثاني : معناه اهتز نباتها واهتزازه شدة حركته ، كما قال الشاعر :

تثني إذا قامت وتهتز إن مشت

كما اهتز غُصْن البان في ورق خضرِ

{ وَرَبَتْ } وجهان

: أحدهما : معناه أضعف نباتها .

والثاني : معناه انتفخت لظهور نباتها ، فعلى هذا الوجه يكون مقدماً ومؤخراً وتقديره : فإذا أنزلنا عليها الماء رَبتْ واهتزت ، وهذا قول الحسن وأبي عبيدة ، وعلى الوجه الأول لا يكون فيه تقديم ولا تأخير .

{ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } فيه وجهان

: أحدهما : يعني من كل نوع ، وهو قول ابن شجرة .

والثاني : من كل لون لاختلاف ألوان النبات بالخضرة والحمرة والصفرة .

{ بَهِيجٍ } يعني حسن الصورة .

٦

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)

٧

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)

٨

ومن الناس من . . . . .

قوله عز وجل : { . . . ثَانِيَ عِطْفِهِ } فيه وجهان

: أحدهما : لاَوِي عنقه إعراضاً عن اللّه ورسوله ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .

الثاني : معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة ، وهذا قول ابن عباس .

قال المفضل : والعِطف الجانب ، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه . قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث .

{ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّه } فيه وجهان

: أحدهما : تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله .

والثاني : فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال : هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد ، حكاه الضحاك .

٩

ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩)

١٠

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠)

١١

قوله عز وجل : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّه عَلَى حَرْفٍ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : يعني على وشك وهو قول مجاهد ، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر .

والثاني : على شرط ، وهو قول ابن كامل .

والثالث : على ضعف في العبادة كالقيام على حرف ، وهو قول علي بن عيسى .

ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً : أن حرف الشي بعضه ، فكأنه يعبد اللّه بلسانه ويعصيه بقلبه .

{ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } وهذا قول الحسن .

الثاني : أن ذلك نزل في بعض قبائل العرب وفيمن حول المدينة من أهل القرى ، كانوا يقولون : نأتي محمداً فإن صادفنا خيراً اتبعناه ، وإلا لحقنا بأهلنا ، وهذا قول ابن جريج ، فأنزل اللّه تعالى : { فإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأنَّ بِهِ } .

ويحتمل وجهين آخرين :

أحدهما : اطمأن بالخير إلى إيمانه .

الثاني : اطمأنت نفسه إلى مقامه .

{ وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي محنة في نفسه أو ولده أو ماله

. { انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } يحتمل عندي وجهين

: أحدهما : رجع عن دينه مرتداً .

الثاني : رجع إلى قومه فزعاً .

{ خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة } خسر الدنيا بفراقه ، وخسر الآخرة بنفاقه

. { ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانِ الْمُبِينُ } أي البيِّن لفساد عاجله وذَهَاب آجله

١٣

قوله عز وجل : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئسْ الْعَشِيرُ } يعني الصنم ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن المولى الناصر ، والعشير الصاحب ، وهذا قول ابن زيد .

والثاني : المولى المعبود ، والعشير الخليط ، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة .

١٤

إن اللّه يدخل . . . . .

قوله عز وجل : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللّه } فيه ثلاثة تأويلات

 أحدها : أن يرزقه اللّه ، وهو قول مجاهد ، والنصر الرزق ، ومنه قول الأعشى .

أبوك الذي أجرى عليّ بنصره

فأنصب عني بعده كل قابل

والثالث : معناه أن لن يمطر أرضه ، ومنه قول رؤبة :

إني وأسطار سطران سطرا

لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا

إني عبيدة : يقال للأرض الممطرة أرض منصورة .

{ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } والنصر في الدنيا بالغلبة ، وفي الآخرة بظهور الحجة .

ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة ، وفي الآخرة علو المنزلة .

{ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } فيه تأويلان :

أحدهما : فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه ، وهذا قول ابن زيد .

والثاني : فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه ، ثم لِيخْنقَ به نفسه فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من ألا يرزقه اللّه تعالى ، وهذا قول السدي .

١٥

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥)

١٦

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)

١٧

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)

١٨

ألم تر أن . . . . .

قوله عز وجل : { وَمَن يُهِن اللّه فَمَا لَهُ مِن مُّكرمٍ } فيه وجهان

: أحدهما : ومن يهن اللّه فيدخله النار فما له من مكرم فيدخله الجنة .

{ إِنَّ اللّه يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } من ثواب وعقاب ، وهذا قول يحيى بن سلام

. والثاني : ومن يهن اللّه بالشقوة فما له من مكرم بالسعادة .

{ إِنَّ اللّه يَفْعَلُ مَا يَشَآءَ } من شقوة ، وهذا قول الفراء وعلي بن عيسى

. ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً : ومن يهن اللّه بالإِنتقام فما له من مكرم بالإنعام ، إن اللّه يفعل ما يشاء من إنعام وانتقام .

١٩

قوله عز وجل : { هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } والخصمان ها هنا فريقان ، وفيهما أربعة أقاويل :

أحدها : أنهما المسلمون والمشركون حين اقتتلوا في بدر ، وهذا قول أبي ذر ، وقال محمد بن سيرين : نزلت في الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر ثلاثة من المشركين فقتلوهم .

والثاني : أنهم أهل الكتاب قالوا : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم .

ونحن خير منكم ، فقال المسلمون كتابنا يقضي على كتابكم ، ونبينا خاتم الأنبياء .

ونحن أولى باللّه منكم ، وهذا قول قتادة .

والثالث : أنهم أهل الإِيمان والشرك في اختلافهم في البعث والجزاء ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، وعطاء .

والرابع : هما الجنة والنار اختصمتا ، فقالت النار : خلقني اللّه لنقمته ، وقالت الجنة : خلقني اللّه لرحمته ، وهذا قول عكرمة .

{ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعْتَ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } معناه أن النار قد أحاطت بها كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم ، فصارت من هذا الوجه ثياباً ، لأنها بالإِحاطة كالثياب .

{ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ } ها هنا هو الماء الحار ، قال الشاعر :

كأن الحميم على متنها

إذا اغترفته بأطساسها

جُمان يحل على وجنةٍ

علته حدائد دوّاسها

وضم الحميم إلى النار وإن كانت أشد منه لأنه ينضج لحومهم ، والنار بانفرادها تحرقها ، فيختلف به العذاب فيتنوع ، فيكون أبلغ في النكال .

وقيل إنها نزلت في ثلاثة من المسلمين قتلوا ثلاثة من المشركين يوم بدر حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة ، وعليّ بن أبي طالب قتل الوليد بن عتبة ، وعبيدة بن الحارث قتل شيبة بن ربيعة .

٢٠

قوله تعالى : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يحرق به وهو قول يحيى بن سلام .

والثاني : يقطع به ، وهو قول الحسن .

والثالث : ينضج به ، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج :

شك السفافيد الشواء المصطهرْ

والرابع : يذاب به ، وهو قول مجاهد ، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها ، ومنه قول ابن أحمر :

تروي لقى ألقى في صفصفٍ تصهره الشمس فما ينْصهِر

٢١

{ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } والمقامع : جمع مقمعة ، والمقمعة ما يضرب به الرأس لا يعي فينكب أو ينحط .

٢٢

كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢)

٢٣

إن اللّه يدخل . . . . .

قوله عز وجل : { وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } فيه أربعة تأويلات

 أحدها : أنه قول لا إله إلا اللّه ، وهو قول الكلبي .

والثاني : أنه الإِيمان ، وهو قول الحسن .

والثالث : القرآن ، وهو قول قطرب .

والرابع : هو الأمر بالمعروف .

ويحتمل عندي تأويلاً خامساً : أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق .

٢٤

{ وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } فيه تأويلان

: أحدهما : الإِسلام ، وهو قول قطرب .

والثاني : الجنة .

ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً : أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته .

٢٥

إن الذين كفروا . . . . .

قوله عز وجل : { . . . وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } فيه قولان :

أحدهما : أنه أراد المسجد نفسه ، ومعنى قوله : { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم .

{ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ } وهو المقيم ، { وَالْبَادِ } وهو الطارىء إليه ، وهذا قول ابن عباس .

والقول الثاني : أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم ، وعلى هذا في قوله :

{ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } وجهان

: أحدهما : أنهم سواء في دوره ومنازله ، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر ، وهذا قول مجاهد ومَنْ منع بيع دور مكة كأبي حنيفة .

والثاني : أنهما سواء في أن من دخله كان آمناً ، وأنه لا يقتل بها صيداً ولا يعضد بها شجراً .

{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } والإِلحاد : الميل عن الحق والباء في قوله : { بِإِلْحَادٍ } زائدة كزيادتها في

قوله تعالى : { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } " [ المؤمنون : ٢٠ ] ومثلها في قول الشاعر :

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج

نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ

أي نرجو الفرج ، فيكون تقدير الكلام : ومن يرد فيه إلحاداً بظلم .

وفي الإِلحاد بالظلم أربعة تأويلات :

أحدها : أنه الشرك باللّه بأن يعبد فيه غير اللّه ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنه استحلال الحرام فيه ، وهذا قول ابن مسعود .

والثالث : استحلال الحرام متعمداً ، وهذا قول ابن عباس .

والرابع : أنه احتكار الطعام بمكة ، وهذا قول حسان بن ثابت .

قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن عمرته عام الحديبية .

٢٦

قوله عز وجل : { وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ } فيه وجهان

: أحدهما : معناه وطأنا له مكان البيت ، حكاه ابن عيسى .

والثاني : معناه عرفناه مكان البيت بعلامة يستدل بها .

وفي العلامة قولان :

أحدهما : قاله قطرب ، بعثت سحابة فتطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها .

الثاني : قاله السدي ، كانت العلامة ريحاً هبت وكنست حول البيت يقال لها الخجوج .

{ أَن لاَّ تُشْرِكَ بِي شَيْئاً } أي لا تعبد معي إلهاً غيري .

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه

 أحدها : من الشرك وعبادة الأوثان ، وهذا قول قتادة .

الثاني : من الأنجاس والفرث والدم الذي كان طرح حول البيت ، ذكره ابن عيسى .

والثالث : من قول الزور ، وهو قول يحيى بن سلام .

{ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } أما الطائفون فيعني بالبيت وفي { الْقَائِمِينَ } قولان

: أحدهما : يعني القائمين في الصلاة ، وهو قول عطاء .

والثاني : المقيمين بمكة ، وهو قول قتادة .

{ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني في الصلاة ، وفي هذا دليل على ثواب الصلاة في البيت . وحكى الضحاك أن إبراهيم لما حضر أساس البيت وحد لَوْحاً ، عليه

مكتوب : أنا اللّه ذو بكّة ، خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير ، وويلٌ لمن قدرت على يديه الشر .

وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } يعني القلوب .

{ لِلطَّآئِفِينَ } يعني حجاج اللّه ، { وَالْقَآئِمِينَ } يعني الإِيمان ، { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني الخوف والرجاء .

٢٧

قوله عز وجل : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } يعني أَعْلِمْهُم ونَادِ فيهم بالحق ، وفيه قولان :

أحدهما : أن هذا القول حكاية عن أمر اللّه سبحانه لنبيه إبراهيم ، فروي أن إبراهيم صعد جبل أبي قبيس فقال : عباد اللّه إن اللّه سبحانه وتعالى قد ابتنى بيتاً وأمَرَكُمْ بحجه فَحُجُّوا ، فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك داعي ربنا لبيك . ولا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب دعوة إبراهيم ، وقيل إن أول من أجابه أهل اليمن ، فهم أكثر الناس حجاً له .

والثاني : أن هذا أمر من اللّه تعالى لنبيه محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) أن يأمر الناس بحج البيت .

{ يَأْتُوكَ رِجَالاً } يعني مشاة على أقدامهم ، والرجال جمع راجل .

{ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } أي جملٍ ضامر ، وهو المهزول ، وإنما قال { ضَامِرٍ } لأنه ليس يصل إليه إلا وقد صار ضامراً .

{ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } أي بعيد ، ومنه قول الشاعر :

تلعب لديهن بالحريق

مدى نياط بارح عميق

٢٨

قوله عز وجل : { لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } فيه ثلاثة تأويلات

 أحدها : أنه شهود المواقف وقضاء المناسك .

والثاني : أنها المغفرة لذنوبهم ، قاله الضحاك .

والثالث : أنها التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة ، وهذا قول مجاهد .

{ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّه فِي أَيَّامِ مَّعْلُومَاتٍ } فيها ثلاثة أقاويل

 أحدها : أنها عشر ذي الحجة آخرها يوم النحر ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وهو مذهب الشافعي .

والثاني : أنها أيام التشريق الثلاثة ، وهذا قول عطية العوفي .

والثالث : أنها يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر ، وهذا قول الضحاك .

{ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } يعني على نحر ما رزقهم نحره من بهيمة الأنعام ، وهي الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا .

{ فَكَلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } في الأكل والإِطعام ثلاثة أوجه

 أحدها : أن الأكل والإِطعام واجبان لا يجوز أن يخل بأحدهما ، وهذا قول أبي الطيب بن سلمة .

والثاني : أن الأكل والإطعام مستحبان ، وله الاقتصار على أيهما شاء وهذا قول أبي العباس بن سريج .

والثالث : أن الأكل مستحب والإطعام واجب ، وهذا قول الشافعي ، فإن أطعم جميعها أجزأه ، وإن أكل جميعها لم يُجْزه ، وهذا فيما كان تطوعاً ، وأما واجبات الدماء فلا يجوز أن نأكل منها .

وفي { الْبآئِسَ الْفَقِيرَ } خمسة أوجه :

أحدها : أن الفقير الذي به زمَانةٌ ، وهو قول مجاهد .

والثاني : الفقير الذي به ضر الجوع .

والثالث : أن الفقير الذي ظهر عليه أثر البؤس .

والرابع : أنه الذي يمد يده بالسؤال ويتكفف بالطلب .

والخامس : أنه الذي يؤنف عن مجالسته .

٢٩

قوله عز وجل : { ثُمَّ لْيَقْضَواْ تَفَثَهُمْ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : مناسك الحج ، وهو قول ابن عباس ، وابن عمر .

والثاني : حلق الرأس ، وهو قول قتادة ، قال أمية بن أبي الصلت .

حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً

. . . . . . . . . . . . . .

والثالث : رمي الجمار ، وهو قول مجاهد

. والرابع : إزالة قشف الإِحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال الطيب ، وهو قول الحسن .

وقيل لبعض الصلحاء : ما المعنى في شعث المحرم ؟ قال : ليشهد اللّه تعالى منك الإِعراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته .

وسئل الحسن عن التجرد في الحج فقال : جرّد قلبك من السهو ، ونفسك من اللّهو ولسانك من اللغو ، ثم يجوز كيف شئت .

وقال الشاعر :

قضوا تفثاً ونحباً ثم سارواْ إلى نجدٍ وما انتظروا علياً

{ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } وهو تأدية ما نذروه في حجهم من نحر أو غيره .

{ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } يعني طواف الإِفاضة ، وهو الواجب في الحج

والعمرة ، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة ، وإن جاز السعي .

وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه :

أحدها : أن اللّه أعتقه من الجبابرة ، وهو قول ابن عباس .

الثاني : لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس ، وهو قول مجاهد .

والثالث : لأنه أعتق من الغرق في الطوفان ، وهذا قول ابن زيد .

٣٠

قوله عز وجل : { ذلِكَ وَمَن يَعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللّه فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } فيه قولان : أحدهما : أنه فعل ما أمر به من مناسكه ، قاله الكلبي .

والثاني : أنه اجتناب ما نهى عنه في إحرامه . ويحتمل عندي قولاً ثالثاً : أن يكون تعظيم حرماته أن يفعل الطاعة ويأمر بها ، وينتهي عن المعصية وينهى عنها .

{ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فيه قولان

: أحدهما : إلا ما يتلى عليكم من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذُبحَ على النصب .

والثاني : إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم .

{ فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } فيه وجهان :

: أحدهما : أي اجتنبواْ من الأوثان الرجس ، ورجس الأوثان عبادتها ، فصار معناه : فاجتنبوا عبادة الأوثان .

الثاني : معناه : فاجتنبواْ الأوثان فإنها من الرجس .

{ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ } فيه أربعة أقاويل

 أحدها : الشرك ، وهوقول يحيى بن سلام .

والثاني : الكذب ، وهو قول مجاهد .

والثالث : شهادة الزور . روى أيمن بن محمد أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قام خطيباً فقال : { أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بِاللّه مَرَّتِينَ } ثم قرأ : { فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ } .

والرابع : أنها عبادة المشركين ، حكاه النقاش .

ويحتمل عندي قولاً خامساً : أنه النفاق لأنه إسلام في الظاهر زور في الباطن .

٣١

قوله عز وجل : { حُنَفَآءَ للّه } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يعني مسلمين للّه ، وهو قول الضحاك ، قال ذو الرمة :

إذا حول الظل العشي رأيته

حنيفاً وفي قرن الضحى يتنصر

والثاني : مخلصين للّه ، وهو قول يحيى بن سلام .

والثالث : مستقيمين للّه ، وهو قول عليّ بن عيسى .

والرابع : حجاجاً إلى اللّه ، وهو قول قطرب .

{ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } فيه وجهان

: أحدهما : غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه .

والثاني : غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانواْ يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، قاله الكلبي .

٣٢

قوله عز وجل : { ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللّه } فيه وجهان :

أحدهما : فروض اللّه .

والثاني : معالم دينه ، ومنه قول الكميت :

نقتلهم جيلاً فجيلاً نراهم

شعائر قربان بهم يتقرب

وفيها ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها مناسك الحج ، وتعظيمها إشعارها ، وهو مأثور عن جماعة .

والثاني : أنها البُدن المشعرة ، وتعظيمها استسمانها واستحسانها ، وهو قول مجاهد .

والثالث : أنها دين اللّه كله ، وتعظيمها التزامها ، وهو قول الحسن .

{ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } قال الكلبي والسدي : من إخلاص القلوب .

ويحتمل عندي وجهاً آخر أنه قصد الثواب .

ويحتمل وجهاً آخر أيضاً : أنه ما أرضى اللّه تعالى :

٣٣

قوله عز وجل : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن المنافع التجارة ، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج ، والأجل المسمى العود .

والثاني : أن المنافع الأجر ، والأجل المسمى القيامة ، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين .

والثالث : أن المنافع الركوب والدر والنسل ، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْى فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان :

أحدهما : أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده ، والأجل المسمى هو النحر ، وهذا قول عطاء .

{ ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ } إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وجهان :

أحدهما : مكة ، وهو قول عطاء .

والثاني : الحرم كله محل لها ، وهو قول الشافعي .

وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله : { ثم محلها إلى البيت العتيق } أن محل ما اختص منها بالأجر له ، هو البيت العتيق .

٣٤

قوله عز وجل : { وَلِكُلِّ أَمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : يعني حجاً ، وهو قول قتادة .

والثاني : ذبحاً ، وهو قول مجاهد .

والثالث : عيداً ، وهو قول الكلبي والفراء ، والمنسك في كلام العرب هو الموضع المعتاد ، ومنه تسمية مناسك الحج ، لاعتياد مواضعها .

{ لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّه عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } فيها وجهان :

أحدهما : أنها الهدي ، إذا قيل إن المنسك الحج .

والثاني : الأضاحي ، إذا قيل إن المنسك العيد .

قوله عز وجل : { . . . وَبَشِّر الْمُخْبِتينَ } فيه تسعة تأويلات :

أحدها : المطمئنين إلى ذكر إلههم ، وهو قول مجاهد ، ومنه

قوله تعالى : { فَتُخْبتْ لَهُ قُلُوبُهُم } " [ الحج : ٥٤ ] .

والثاني : معناه المتواضعين ، وهو قول قتادة .

والثالث : الخاشعين ، وهو قول الحسن . والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع في الأخلاق والخشوع في الأبدان .

والرابع : الخائفين ، وهو معنى قول يحيى بن سلام .

والخامس : المخلصين ، وهو قول إبراهيم النخعي .

والسادس : الرقيقة قلوبهم ، وهو قول الكلبي .

والسابع : أنهم المجتهدون في العبادة ، وهو قول الكلبي ومجاهد .

والثامن : أنهم الصالحون المطمئنون ، وهو مروي عن مجاهد أيضاً .

والتاسع : هم الذين لا يظلمون ، وإذا ظلمواْ لم ينتصرواْ ، وهو قول الخليل بن أحمد .

٣٥

اَلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلَوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)

 

٣٦

قوله عز وجل : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللّه } في البدن ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها الإِبل ، وهو قول الجمهور .

والثاني : أنها الإِبل ، والبقر ، والغنم ، وهو قول جابر ، وعطاء .

والثالث : كل ذات خُفٍّ وحافر من الإِبل ، والبقر ، والغنم ، وهو شاذ حكاه ابن الشجرة ، وسميت بُدْناً لأنها مبدنة في السمن ، وشعائر اللّه تعالى دينه في أحد الوجهين ، وفروضه في الوجه الآخر .

وتعمق بعض أصحاب الخواطر فتأول البُدْن أن تطهر بدنك من البدع ، والشعائر أن تستشعر بتقوى اللّه وطاعته ، وهو بعيد .

{ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } فيه تأويلان

: أحدهما : أي أجر ، وهو قول السدي .

والثاني : منفعة فإن احْتِيجَ إلى ظهرها رُكبَ ، وإن حُلِبَ لَبَنُها شُرِبَ ، وهو قول إبراهيم النخعي .

{ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّه عَلَيْهَا صَوآفَّ } وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن : صوافي ، وقرأ ابن مسعود : صوافن .

فتأول صواف على قراءة الجمهور فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : مصطفة ، ذكره ابن عيسى .

والثاني : قائمة لتصفّد يديها بالقيود ، وهو قول ابن عمر .

والثالث : معقولة ، وهو قول مجاهد .

وتأويل صوافي ، وهي قراءة الحسن : أي خالصة للّه تعالى ، مأخوذ من الصفوة .

وتأويل صوافن وهي قراءة ابن مسعود : أنها مصفوفة ، وهو أن تَعقِل إحدى يديها حتى تقف على ثلاث ، مأخوذ من صفن الفرس إذا ثنى إحدى يديه حتى يقف على ثلاث ، ومنه

قوله تعالى : { الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ } وقال الشاعر :

الف الصفون مما يزال كأنه

مما يقوم على الثلاث كسيراً

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبهُا } أي سقطت جنوبها على الأرض ، ومنه وجب الحائط إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا سقطت للغروب ، وقال أوس بن حجر :

ألم تكسف الشمس ضوء النهار

والبدر للجبل الواجب

{ فَكُلُواْ مِنْهَا } فيه وجهان

: أحدهما : أن أكله منها واجب إذا تطوع بها ، وهو قول أبي الطيب بن سلمة .

والثاني : وهو قول الجمهور أنه استحباب وليس بواجب ، وإنما ورد الأمر به لأنه بعد حظر ، لأنهم كانواْ في الجاهلية يحرمون أكلها على نفوسهم .

{ وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ } فيهم أربعة تأويلات

 أحدها : أن القانع السائل ، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل ، وهذا قول الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومنه قول الشماخ :

لمالُ المرء يصلحه فيغني مفاقِرَه أعف من القُنُوع

أي من السؤال .

والثاني : أن القانع الذي يقنع ولا يسأل ، والمعتر الذي يسأل ، وهذا قول قتادة ، ومنه قول زهير :

على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحةُ والبذلُ

والثالث : أن القانع المسكين الطوّاف ، والمعتر : الصديق الزائر ، وهذا قول زيد بن أسلم ، ومنه قول الكميت :

إما اعتياداً وإما اعتراراً

والرابع : أن القانع الطامع ، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه

ليس عنده لحم ، وهذا قول عكرمة ، ومنه قول الشاعر :

على الطارق المعتر يا أم مالك

إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي

٣٧

قوله عز وجل : { لَن يَنَالَ اللّه لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } فيه وجهان

: أحدهما : لن يقبل اللّه الدماء وإنما يقبل التقوى ، وهذا قول علي بن عيسى .

والثاني : معناه لن يصعد إلى اللّه لحومها ولا دماؤها ، لأنهم كانوا في الجاهلية إذا ذبحوا بُدنهم استقبلوا الكعبة بدمائها فيضجعونها نحو البيت ، فأراد المسلمون فعل ذلك ، فأنزل اللّه تعالى : { لَنَ يَنَالَ اللّه لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم } أي يصعد إليه التقوى والعمل الصالح ، وهذا قول ابن عباس .

{ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } أي ذللّها لكم يعني الأنعام

. { لِتُكَبِّرُواْ اللّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ } يحتمل وجهين

: أحدهما : يعني التسمية عند الذبح .

والثاني : لتكبروا عند الإِحلال بدلاً من التلبية في الإِحرام .

{ عَلَى مَا هَداكُمْ } أي ما أرشدكم إليه من حجكم

. { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } يحتمل وجهين

: أحدهما : بالقبول .

والثاني : بالجنة .

٣٨

إن اللّه يدافع . . . . .

{ إِنَّ اللّه يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } فيه ثلاثة أوجه

 أحدها : بالكفار عن المؤمنين ، وبالعصاة عن المطيعين ، وبالجهال عن العلماء .

والثاني : يدفع بنور السنة ظلمات البدعة ، قاله سهل بن عبد اللّه .

قوله عز وجل : { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } فيه ستة تأويلات :

أحدها : ولولا دفع اللّه المشركين بالمسلمين ، وهذا قول ابن جريج .

الثاني : ولولا دفع اللّه عن الدين بالمجاهدين ، وهذا قول ابن زيد .

والثالث : ولولا دفع اللّه بالنبيين عن المؤمنين ، وهذا قول الكلبي .

والرابع : ولولا دفع اللّه بأصحاب رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عمن بعدهم من التابعين ، وهذا قول علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه .

والخامس : ولولا دفع اللّه بشهادة الشهود على الحقوق ، وهذا قول مجاهد .

والسادس : ولولا دفع اللّه على النفوس بالفضائل ، وهذا قول قطرب .

ويحتمل عندي تأويلاً سابعاً : ولولا دفع اللّه عن المنكر بالمعروف .

{ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ } فيه قولان

 أحدها : أنها صوامع الرهبان ، وهذا قول مجاهد .

والثاني : أنها مصلى الصابئين ، وهو قول قتادة .

وقد روي عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { صَوْمَعَةُ المُؤْمِنِ بَيْتُه } وسميت صومعة لانضمام طرفيها ، والمنصمع : المنضم ، ومنه أذنٌ صمعاء .

{ وَبِيَعٌ } فيها قولان

: أحدهما : أنها بيع النصارى ، وهو قول قتادة .

والثاني : أنها كنائس اليهود ، وهو قول مجاهد ، والبيعة اسم أعجمي مُعَرَّب .

{ وَصَلَوَاتٌ } فيها قولان

: أحدهما : أنها كنائس اليهود يسمونها : صلوتا ، فعرب جمعها ، فقيل صلوات ، وهذا قول الضحاك .

والثاني : معناه : وتركت صلوات ، ذكره ابن عيسى .

{ وَمَسَاجِدُ } المسلمين ، ثم فيه قولان

: أحدهما : لهدمها الآن المشركون لولا دفع اللّه بالمسلمين ، وهو معنى قول الضحاك .

والثاني : لهدمت صوامع في أيام شريعة موسى ، وبيع في أيام شريعة عيسى ومساجد في أيام شريعة محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وهذا قول الزجاج ، فكان المراد بهدم كل شريعة ، الموضع الذي يعبد اللّه فيه .

٣٩

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)

٤٠

اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)

٤١

اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوةَ وَآتَوْا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)

٤٢

وإن يكذبوك فقد . . . . .

قوله عز وجل : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } فيها ثلاثة أوجه

 أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكها .

والثاني : غائرة الماء .

والثالث : معطلة من دلالتها وأرشيتها .

{ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي ، ومنه قول امرىء القيس :

وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ

ولا أطماً إلا مشيراً بجندل

والثاني : أن المشيد الرفيع ، وهو قول قتادة ، ومنه قول عدي بن زيد :

شاده مرمراً وجللّه كل

ساً فللطير في ذراه وُكورُ

والثالث : أن المشيد المجصص ، والشيد الجص ، وهو قول عكرمة ومجاهد ومنه قول الطرماح :

كحية الماء بين الطين والشيد

وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل ، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان ، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا

يرتقى إليه بحال ، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته ، وأصحاب القصور ملوك الحضر ، وأصحاب الآبار ملوك البوادي ، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء .

٤٦

قوله عز وجل : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } هذا يدل على أمرين : على أن العقل علم ، ويدل على أن محله القلب .

وفي قوله : { يَعْقِلُونَ بِهَا } وجهان :

أحدهما : يعملون بها ، لأن الأعين تبصر والقلوب تصير .

{ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة .

{ فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ } يحتمل عندي وجهين :

أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء .

والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار .

قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً .

قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد اللّه بن زائدة .

٤٧

قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } يستبطئون نزوله بهم استهزاء منهم .

{ وَلَن يُخْلِفَ اللّه وَعْدَهُ } ولن يؤخر عذابه عن وقته

. { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفْ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } فيه ثلاثة أوجه

 أحدها : أن يوماً من الأيام التي خلق اللّه فيها السموات والأرض كألف سنة ، قاله مجاهد .

الثاني : أن طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا في المدة .

الثالث : أن ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك يوم النعيم .

٤٨

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)

٤٩

قل يا أيها . . . . .

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي ءَآيِاتِنَا } فيه وجهان :

أحدهما : أنه تكذيبهم بالقرآن ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : أنه عنادهم في الدين ، قاله الحسن .

{ مُعَجِزِينَ } قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وقرأ الباقون { مُعَاجِزِينَ } فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه :

أحدها : مثبطين لمن أراد اتباع النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وهو قول السدي .

الثاني : مثبطين في اتباع النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وهو قول مجاهد .

والثالث : مكذبين ، حكاه ابن شجرة .

الرابع : مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزة في إيمانه .

ومن قرأ { مُعَاجِزِينَ } ففي تأويله أربعة أوجه :

أحدها : مشاققين ، قاله ابن عباس .

والثاني : متسارعين ، حكاه ابن شجرة .

والثالث : معاندين ، قاله قطرب .

والرابع : مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ اللّه هرباً ، قاله السدي .

٥٠

فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠)

٥١

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٥١)

٥٢

قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلآَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه } فيه تأويلان :

أحدهما : يعني أنه إذا حدّث نفسه ألقى الشيطان في نفسه ، قاله الكلبي .

الثاني : إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته ، قاله قتادة ومجاهد ، قال الشاعر :

تمنى كتاب اللّه أول ليله

وآخره لاقى حمام المقادِرِ

{ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ . . . } فيه قولان :

أحدهما : أن الرسول والنبي واحد ، ولا فرق بين الرسول والنبي ، وإنما

جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر ، والرسل تعم الملائكة والبشر .

والقول الثاني : أنهما مختلفان ، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي .

واختلف قائل هذا في الفرق بين الرسول والنبي على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي ، والنبي يوحى إليه في نومه .

والثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أُمَّةٍ ، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة ، قاله قطرب .

والثالث : أن الرسول هو المبتدىء بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي هو الذي يحفظ شريعة اللّه ، قاله الجاحظ .

{ فَيَنسَخُ اللّه مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } أي يرفعه

. { ثُمَّ يُحْكِمُ اللّه ءَآيَاتِهِ } أي يثبتها ، واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) من ذلك على أربعة أقاويل :

أحدها : أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً .

الثاني : أنه كان ناعساً فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه قاله قتادة .

الثالث : أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، حكاه ابن عيسى .

الرابع : إنما قال : هي كالغرانيق العلا - يعني الملائكة - وأن شفاعتهم لترتجى ، أي في قولكم ، قاله الحسن .

سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) لما نزلت عليه سورة النجم

قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ { أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } " [ النجم : ١٩ - ٢٠ ] ألقى الشيطان على لسانه { أولئك الغرانيق العلا . وأن شفاعتهن لترتجى } ثم ختم السورة وسجد . وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود ، ورضي بذلك كفار قريش ، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة . فأنكر جبريل على النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ما قرأه ، وشق ذلك عليه فأنزل اللّه تعالى :

{ وَمَا أرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه } .

٥٣

قوله تعالى : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً } فيه وجهان :

أولهما : محنة .

الثاني : اختباراً . { لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي نفاق

. { وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } يعني المشركين

. { وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } فيه وجهان

: أحدهما : لفي ضلال طويل ، قاله السدي .

الثاني : لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة ، قاله يحيى بن سلام .

٥٤

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤)

٥٥

{ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } يعني في شك { مِّنْهُ } من القرآن { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } فيه وجهان :

أحدهما : ساعة القيامة على من يقوم عليه من المشركين ، قاله الحسن .

الثاني : ساعة موتهم .

{ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } فيه قولان :

أحدهما : يوم القيامة ، قاله عكرمة ، والضحاك .

الثاني : يوم بدر ، قاله مجاهد ، وقتادة .

وفي العقيم وجهان :

أحدهما : أنه الشديد ، قاله الحسن .

الثاني : أنه الذي ليس له مثيل ولا عديل ، قال يحيى بن سلام : لقتال الملائكة فيه .

ويحتمل ثالثاً : أن يكون العقيم هو الذي يجدب الأرض ويقطع النسل .

٥٦

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦)

٥٧

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧)

٥٨

والذين هاجروا في . . . . .

قوله تعالى : { ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } الآية ، فيها قولان :

أحدهما : أنها نزلت في قوم من مشركي قريش لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر اللّه المسلمين فنزل ذلك فيهم ، حكاه النقاش .

الثاني : أنها في قوم من المشركين مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بمثله فنزل ذلك فيهم ، حكاه ابن عيسى . ونصر اللّه في

الدنيا بالغلبة والقهر ، وفي الآخرة بالحجبة والبرهان .

٥٩

لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)

٦٠

ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠)

٦١

قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّه هُوَ الْحَقُّ } فيه ثلاثة أوجه

 أحدها : أن الحق اسم من أسمائه تعالى ، قاله يحيى ابن سلام .

الثاني : أنه ذو الحق ، قاله ابن عيسى .

الثالث : معناه أن عبادته حق وهو معنى قول السدي .

{ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } فيه قولان

: أحدهما : الأوثان ، قاله الحسن .

الثاني : إبليس ، قاله قتادة .

٦٢

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)

٦٣

أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ اْلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)

٦٥

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اْلأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)

٦٥

أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي اْلأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى اْلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٦٥)

٦٦

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ اْلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (٦٦)

٦٧

لكل أمة جعلنا . . . . .

قوله تعالى : { مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ } فيه أربعة أوجه

 أحدها : أنه العيد ، قاله ابن قتيبة .

الثاني : أنها المواضع المعتادة لمناسك الحج والعمرة ، قاله الفراء .

الثالث : المذبح ، قاله الضحاك .

الرابع : المنسك الْمُتَعَبد والنسك العِبَادَة ومنه سمي العَابِدُ ناسكاً ، قاله الحسن .

٦٨

وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨)

٦٩

اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)

٧٠

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠)

٧١

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١)

٧٢

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)

 

٧٣

يا أيها الناس . . . . .

قوله تعالى : { يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ } لأن حجج اللّه عليهم بضرب الأمثال لهم أقرب لأفهامهم : فإن قيل فأين المثل المضروب ؟ ففيه وجهان :

أحدهما : أنه ليس هنا مثل ومعنى الكلام أنهم ضربوا للّه مثلاُ في عبادته غيره ، قاله الأخفش .

الثاني : أنه ضرب مثلهم كمن عبد من لا يخلق ذباباً ، قاله ابن قتيبة .

{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّه } يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أنهم الأوثان الذين عبدوهم من دون اللّه .

الثاني : أنهم السادة الذين صَرَفُوهُم عن طاعة اللّه .

الثالث : أنهم الشياطين الذين حملوهم على معصية اللّه .

{ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ } ليعلمهم أن العبادة إنما تكون للخالق المنشىء دون المخلوق المنشأ ، وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته ، وسُمِّي ذباباً لأنه يُذَبُّ احتقاراً واستقذاراً .

{ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } يحتمل وجهين

: أحدهما : إفساده لثمارهم وطعامهم حتى يسلبهم إياها .

والثاني : أَلَمُهُ في قرض أبدانهم ، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون اللّه على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يكونون آلهة معبودين وأرباباً مُطَاعين وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان .

ثم قال : { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون عائداً إلى العَابِد والمَعْبُود ، فيكون في معناه وجهان :

أحدهما : أن يكون عائداً إلى العابد والمعبود .

الثاني : قهر العابد والمعبود .

والاحتمال الثاني : أن يكون عائداً للسالب فيكون في معناه وجهان :

أحدهما : ضعف للسالب عن القدرة والمسلوب عن النُصْرَة .

الثاني : ضعف السالب بالمهانة والمسلوب بالاستكانة .

٧٤

{ وَمَا قَدَرُواْ اللّه حَقَّ قَدْرِهِ } فيه ثلاثة تأويلات

 أحدها : ما عظموه حق عظمته ، قاله الفراء .

الثاني : ما عرفوه حق معرفته ، قاله الأخفش .

الثالث : ما وصفوه حق صفته ، قاله قطرب . قال ابن عباس : نزلت في يهود المدينة حين قالواْ استراح اللّه في يوم السبت .

٧٥

اللّه يصطفي من . . . . .

قوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمُ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : ما بين أيديهم : ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ، وما خلفهم : ما يكون بعد خلقهم ، حكاه ابن عيسى .

الثاني : ما بين أيديهم : أول أعمالهم ، وما خلفهم آخر أعمالهم ، قاله الحسن .

الثالث : ما بين أيديهم من أمر الآخرة وما خلفهم من أمر الدنيا ، قاله يحيى بن سلام .

ويحتمل رابعاً : ما بين أيديهم : من أمور السماء ، وما خلفهم : من أمور الأرض .

٧٦

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ اْلأُمُورُ (٧٦)

٧٨

يا أيها الذين . . . . .

قوله تعالى : { وَجَاهِدُواْ فِي اللّه حَقَّ جِهَادِهِ } قال السدي : اعملوا للّه حق عمله ، وقال الضحاك أن يطاع فلا يعصى ويُذْكر فلا يُنْسَى ويُشْكر فلا يُكْفَر . وهو مثل

٧٧

قوله تعالى : { اتَّقُواْ اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ } " [ آل عمران : ١٠٢ ] .

واختلف في نسخها على قولين :

أحدهما : أنها منسوخة ب

قوله تعالى : { فَاتَقُواْ اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ } " [ التغابن : ١٦ ] .

والثاني : أنها ثابتة الحكم لأن حق جهاده ما ارتفع معه الحرج ، روى سعيد بن المسيب قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { خَيْرُ دِيْنِكُمْ أَيْسَرَهُ } . { هُوَ اجْتَبَاكُمْ } أي اختاركم لدينه

. { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني من ضيق ، وفيه خمسة أوجه :

أحدها : أنه الخلاص من المعاصي بالتوبة .

الثاني : المخرج من الأيمان بالكفارة .

الثالث : أنه تقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى ، قاله ابن عباس .

الرابع : أنه رخص السفر من القصر والفطر .

الخامس : أنه عام لأنه ليس في دين الإٍسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من المأثم فيه .

{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمُ } فيه أربعة أوجه

 أحدها : أنه وسع عليكم في الدين كما وسع ملة أبيكم إبراهيم .

الثاني : وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم .

الثالث : أن ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وداخلة في دينه . الرابع : أن علينا ولاية إبراهيم وليس يلزمنا أحكام دينه .

{ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذَا } فيه وجهان

: أحدهما : أن اللّه سماكم المسلمين من قبل هذا القرآن وفي هذا القرآن ، قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : أن إبراهيم سماكم المسلمين ، قاله ابن زيد احتجاجاً ب

قوله تعالى : { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } " [ البقرة : ١٢٨ ] .

{ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ } فيه وجهان

: أحدهما : ليكون الرسول شهيداً عليكم في إبلاغ رسالة ربه إليكم ، وتكونوا شهداء على الناس تُبَلِغُونَهُم رسالة ربهم كما بلغتم إليهم ما بلغه الرسول إليكم .

الثاني : ليكون الرسول شهيداً عليكم بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن رُسُلَهُم قد بَلَّغُوهم .

{ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } يعني المفروضة .

{ وَءَآتُواْ الزَّكَاةِ } يعنى الواجبة .

{ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّه } فيه وجهان :

أحدهما : امتنعوا باللّه ، وهو قول ابن شجرة .

والثاني : معناه تمسّكوا بدين اللّه ، وهو قول الحسن .

{ هُوَ مَوْلاَكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : مَالِكُكُم .

الثاني : وليكم المتولي لأموركم .

{ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصَيرُ } أي فنعم المولى حين لم يمنعكم الرزق لما عصيتموه ، ونعم النصير حين أعانكم لما أطعتموه .

﴿ ٠