٥٦قوله تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ءَآمَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } فيه خمسة تأويلات أحدها : أي جانبوا أهل المعاصي بالخروج من أرضهم ، قاله ابن جبير وعطاء . الثاني : اطلبوا أولياء اللّه إذا ظهروا بالخروج إليهم ، قاله أبو العالية . الثالث : جاهدوا أعداء اللّه بالقتال لهم ، قاله مجاهد . الرابع : إن رحمتي واسعة لكم ، قاله مطرف بن عبد اللّه . الخامس : إن رزقي واسع لكم ، وهو مروي عن مطرف أيضاً . { فَإِيَّايَ فَاعْبدُونِ } فيه ثلاثة تأويلات أحدها : فارهبون ، قاله بلال بن سعد . الثاني : فاعبدون بالهجرة إلى المدينة ، قاله السدي . الثالث : فاعبدون بألا تطيعوا أحداً في معصيتي ، قاله علي بن عيسى . قوله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } وفيه وجهان : أحدهما : يعني أن كل حي ميت . الثاني : أنها تجد كربه وشدته ، وفي إعلامهم بذلك وإن كانوا يعلمونه وجهان : أحدهما : إرهاباً بالموت ليقلعوا عن المعاصي . الثاني : ليعلمهم أن أنبياء اللّه وإن اختصوا بكرامته وتفردوا برسالته فحلول الموت بهم كحلوله بغيرهم حتى لا يضلوا بموت من مات منهم ، وروى جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال لما توّفي رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمُوتِ } ، إن في اللّه عزاء من كل مصيبة ، وخَلَفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت ؛ فباللّه فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حُرِمَ الثواب . { ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } يريد البعث في القيامة بعد الموت في الدنيا . قوله تعالى : { . . . لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً } قرأ حمزة والكسائي { لَنُثَوِّيَنَّهُم } بالثاء من الثواء وهو طول المقام وقرأ الباقون بالباء { لَنُبَوِّئَنَّهُم } معناه لنسكننهم أعالي البيوت . وإنما خصهم بالغرف لأمرين : أحدهما : أن الغرف لا تستقر إلا فوق البيوت فصار فيها جمع بين أمرين . الثاني : لأنها أنزه من البيوت لإشرافها وألذ سكنى منها لرياحها وجفافها . وقد روى أبو مالك الأشعري عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِها ، وَبَاطِنُها مِن ظَاهِرِهَا ، أَعدَّهَا اللّه لِمَن أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَطَابَ الكَلاَمَ وَتَابَعَ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَقَامَ باللِّيلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ } . قوله : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } فيه أربعة أقاويل : أحدها : معناه تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً ، قاله مجاهد . الثاني : تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها ، قاله الحسن . الثالث : يأتيها من غير طلب . الرابع : أنه النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) يكل ولا يدخر ، حكاه النقاش . قال ابن عباس : الدواب هو كل ما دب من الحيوان . وكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر . { اللّه يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } أي يسوي بين الحريص المتوكل في رزقه وبين الراغب القانع وبين الجلود والعاجز حتى لا يغتر الجلْد أنه رزق بجلده ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه . قال ابن عباس : نزلت هذه الآية لما أُذن لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في الهجرة وأمر المسلمين بها خافوا الضيعة والجوع فقال قوم نهاجر إلى بلد ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجرواْ . |
﴿ ٥٦ ﴾