سورة الروم

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

الم

قوله تعالى : { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ } الآية . روى ابن جبير عن ابن عباس قال : كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان .

قال ابن شهاب : فغلبت فارس الروم فسر بذلك المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم ستغلبوننا لأنكم أهل كتاب ، وقد غلبت فارس الروم والروم أهل كتاب .

وقيل : إنه كان آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار فأخبر رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بذلك فساءه فأنزل اللّه هاتين الآيتين فلما قال :

{ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيْغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } سر بذلك المسلمون وبادر أبو

بكر رضي اللّه عنه إلى مشركي قريش فأخبرهم بما أنزل عليهم وأن الروم ستغلب الفرس . قال قتادة : فاقتمر أبو بكر والمشركون على ذلك ، وذلك قبل تحريم القمار مدة اختلف الناس فيها على ثلاثة أقاويل :

أحدها : مدة ثلاث سنين تظهر الروم فيها على فارس ، قاله السدي .

الثاني : خمس سنين ، قاله قتادة .

الثالث : سبع سنين ، قاله الفراء .

وكان الذي تولى ذلك من المسلمين أبو بكر رضي اللّه عنه ، واختلف في الذي تولاه من المشركين مع أبي بكر على قولين :

أحدهما : أنه أبو سفيان بن حرب ، قاله السدي .

الثاني : أنه أُبي بن خلف ، قاله قتادة . وحكىالنقاش أن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) عَلِق به أبي بن خلف وقال : اعطني كفيلاً بالخطر إن غلبت فكفله ابنه عبد الرحمن .

واختلف في قدر العوض المبذول على قولين :

أحدهما : أربع قلائص ، قاله عامر .

الثاني : خمس قلائص ، قاله قتادة .

فلما علم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) أن أبا بكر لهم هذه المدة أنكرها وقال : { مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا فَعَلْتَ ؟ } قال : ثقة باللّه وبرسوله ، قال : { فَكَم البِضْعُ } قال : ما بلغ بين الثلاث والعشر فقال له النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { زِدْهُم فِي الخَطَرِ فِي وَزِدْ الأَجَلِ } فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين فصارت القلائص ستاً على القول الأول ، وسبعاً على الثاني ، وصار الأجل خمساً على القول الأول ، وسبعاً على الثاني : وتسعاً على الثالث .

واختلف في الاستزاده والزيادة على قولين :

أحدهما : أنها كانت بعد انقضاء الأجل الأول قبل ظهور الغلبة ، قاله عامر .

الثاني : أنها كانت قبل انقضاء الأجل الأول ، قاله ابن شهاب ، فأظفر اللّه الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني تصديقاً لخبره في التقدير ولرسوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) في التنزيل .

واختلف في السنة التي غلبت الروم أهل فارس على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها عام بدر ظهر الروم على فارس فيه وظهر المسلمون على قريش فيه ، قاله أبو سعيد ، قال : فكان يوم بدر . الثاني : أن ظهور فارس على الروم كان قبل الهجرة بسنتين ، وظهور المسلمين على قريش كان في عام بدر بعد الهجرة بسنتين ، ولعله قول عكرمة .

الثالث : عام الحديبية ظهرت الروم على فارس وكان ظهور المسملين على المشركين في الفتح بعد مدة الحديبية ، قاله عبيد اللّه بن عبد اللّه .

فأما قوله تعالى : { فِي أَدْنَى الأَرْضِ } ففيه قولان :

أحدهما : في أدنى أرض فارس ؛ حكاه النقاش .

الثاني : في أدنى أرض الروم ، وهو قول الجمهور وفي أدنى أرض الروم أربعة أقاويل :

أحدها : أطراف الشام ، قاله ابن عباس .

الثاني : الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس ، قاله مجاهد .

الثالث : الأردن وفلسطين ، قاله السدي .

الرابع : أذرعات الشام وكانت بها الوقعة ، قاله يحيى بن سلام .

وقرأ أبو عمرو وحده : { غَلَبَتِ } بالفتح أي ظهرت فقيل له علام غلبت ؟ فقال : في أدنى ريف الشام .

قوله تعالى : { فِي بِضْعِ سِنِينَ } وهو ما بين الثلاث إلى العشر وهذا نص عن الرسول ( صلى اللّه عليه وسلم ) . وقال بعض أهل اللغة هو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة فيكون من الثاني إلى التاسع .

وأما النيف ففيه قولان :

أحدهما : ما بين الواحد والتسعة ، قاله ابن زيد .

الثاني : ما بين الواحد والثلاثة ، وهو قول الجمهور .

{ للّه الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } فيه وجهان

: أحدهما : من قبل أن تغلب الروم ومن بعد ما غلبت .

الثاني : من قبل غلبة دولة فارس على الروم ومن بعد غلبة دولة الروم على فارس .

{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه } فيه قولان

: أحدهما : أنه الخبر الذي ورد على رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) يوم الحديبية بهلاك كسرى ففرح ومن معه فكان هذا يوم فرحهم بنصر اللّه لضعف الفرس وقوة العرب .

الثاني : يعني به نصر الروم على فارس .

وفي فرحهم بذلك ثلاثة أوجه :

أحدها : تصديق خبر اللّه وخبر رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) .

الثاني : لأنهم أهل كتاب مثلهم .

الثالث : لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين .

{ بِنَصْرِ اللّه } يعني من أوليائه لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصر وإنما هو ابتلاء .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } في نقمته { الرَّحِيمُ } لأهل طاعته

قوله تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فيه وجهان :

أحدهما : يعلمون أمر معايشهم متى يزرعون ومتى يحصدون وكيف يغرسون وكيف يبنون ، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة . وقال الضحاك : هو بنيان قصورها وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها فهذا ظاهر الحياة الدنيا .

الثاني : يعلمون ما ألقته الشياطين لهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا ، قاله ابن جبير .

ويحتمل ثالثاً : أن ظاهر الحياة الدنيا العمل لها ، وباطنها عمل الآخرة .

{ وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } يحتمل وجهين

: أحدهما : عما أعده اللّه في الآخرة من ثواب عن طاعته وعقاب على معصيته .

الثاني : عما أمرهم اللّه به من طاعة وألزمهم إياه .

﴿ ١