٣٨

إنكم لذائقوا العذاب . . . . .

قوله عز وجل : { يُطاف عليهم بكأسٍ من مَعينٍ } أي من خمر معين وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه الجاري ؛ قاله الضحاك .

الثاني : الذي لا ينقطع ، حكاه جويبر .

الثالث : أنه الذي لم يعصر ، قاله سعيد بن أبي عروبة .

ويحتمل رابعاً : أنه الخمر بعينه الذي لم يمزج بغيره .

وفي المعين من الماء خمسة أوجه :

أحدها : أنه الظاهر للعين ، قاله الكلبي .

الثاني : ما مدّته العيون فاتصل ولم ينقطع ، قاله الحسن .

الثالث : أنه الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه .

الرابع : أنه الكثير مأخوذ من المعين وهو الشيء الكثير .

الخامس : أنه المنتفع به مأخوذ من الماعون ، قاله الفراء .

{ بيضاء لذَّةٍ للشاربين } يعني أن خمر الجنة بيضاء اللون ، وهي في قراءة ابن مسعود صفراء .

ويحتمل أن تكون بيضاء الكأس صفراء اللون فيكون اختلاف لونهما في منظرهما قال الشاعر :

فكأن بهجتها وبهجة كأسها

نار ونور قيّدا بوعاء .

قوله عز وجل : { لا فيها غَوْلٌ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أي ليس فيها صداع ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

الثاني : ليس فيها وجع البطن ، قاله مجاهد .

الثالث : ليس فيها أذى ، قاله الفراء وعكرمة وهذه الثلاثة متقاربة لاشتقاق الغول من الغائلة .

الرابع : ليس فيها إثم ، قاله الكلبي .

الخامس : أنها لا تغتال عقولهم ، قاله السدي وأبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر :

وهذا من الغيلة أن

يصرع واحد واحدا

{ ولا هم عنها ينزفون } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : لا تنزف العقل ولا تذهب الحلم بالسكر ، قاله عطاء ، ومنه قول الشاعر :

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتُم

لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

الثاني : لا يبولون ، قاله ابن عباس ، وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فذكر اللّه تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال .

الثالث : أي لا تفنى مأخوذ من نزف الركية ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، ومنه قول الشاعر :

دعيني لا أبا لك أن تطيقي

لحاك اللّه قد أنزفت ريقي

وقد يختلف هذا التأويل باختلاف القراءة ، فقرأ حمزة والكسائي ، ينزفون بكسر الزاي ، وقرأ الباقون يُنزَفون بفتح الزاي ، والفرق بينهما أن الفتح من نزف فهو منزوف إذا ذهب عقله بالسكر ، والكسر من أنزف فهو منزوف إذا فنيت خمره ، وإنما صرف اللّه تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع عنهم التذاذ نعيمهم .

قوله عز وجل : { وعندهم قاصِراتُ الطّرفِ عينٌ } يعني بقاصرات الطرف النساء اللاتي قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم مأخوذ من قولهم : قد اقتصر على كذا إذا اقتنع به وعدل عن غيره ، قال امرؤ القيس :

من القاصرات الطرف لو دب مُحولٌ

من الذّرّ فوق الخد منها لأثّرا

وفي العين وجهان :

أحدهما : الحسان العيون ، قاله مجاهد ومقاتل .

الثاني : العظام الأعين ، قاله الأخفش وقطرب .

{ كأنهن بيضٌ مكنون } فيه وجهان :

أحدهما : يعني اللؤلؤ في صدفه ، قاله ابن عباس ، ومنه قول الشاعر :

وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوا

ص ميزت من جوهر مكنون

الثاني : يعني البيض المعروف في قشره ، والمكنون المصون .

وفي تشبيههم بالبيض المكنون أربعة أوجه :

أحدها : تشبيهاً ببيض النعام يُكنّ بالريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة ، قاله الحسن .

الثاني : تشبيهاً ببطن البيض إذا لم تمسه يد ، قاله سعيد بن جبير .

الثالث : تشبيهاً ببياض البيض حين ينزع قشرة ، قاله السدي .

الرابع : تشبيهاً بالسحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض ، قاله عطاء .

﴿ ٣٨