سورة الطوربسم اللّه الرحمن الرحيم ١والطور قوله تعالى { وَالطُّورِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه اسم للجبل بالسريانية ، قاله مجاهد . قال مقاتل : يسمى هذا الطور زبير . الثاني : أن الطور ما أنبت ، وما لا ينبت فليس بطور ، قاله ابن عباس ، وقال الشاعر : لو مر بالطور بعض ناعقة ما أنبت الطور فوقه ورقة ثم في هذا الطور الذي أقسم اللّه به ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه طور سيناء ، قاله السدي . الثاني : أنه الطور الذي كلم اللّه عليه موسى ، قاله ابن قتيبة . الثالث : أنه جبل مبهم ، قاله الكلبي . وأقسم اللّه به تذكيراً بما فيه من الدلائل . وقال بعض المتعمقة : إن الطور ما يطوى على قلوب الخائفين . ٢{ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } أي مكتوب ، وفي أربعة أقاويل أحدها : أنه الكتاب الذي كتب اللّه لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون . الثاني : أنه القرآن مكتوب عند اللّه في اللوح المحفوظ . الثالث : هي صحائف الأعمال فمن أخذ كتابه بيمينه ، ومن آخذ كتابه بشماله ، قاله الفراء . الرابع : التوراة قاله ابن بحر . ٣{ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : الصحيفة المبسوطة وهي التي تخرج للناس أعمالهم ، وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها ، قال المتلمس : فكأنما هي من تقادم عهدها رق أتيح كتابها مسطور الثاني : هو ورق مكتوب ، قاله أبو عبيدة . الثالث : هو ما بين المشرق والمغرب ، قاله ابن عباس . ٤{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } فيه أربعة أوجه أحدها : ما روى قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { أُتِيَ بِيَ إِلَى السَّمَاءِ فَرُفِعَ لَنَا الْبَيتُ المَعْمُورُ ، فَإِذَا هُوَ حِيالُ الكَعْبَةِ ، لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيهَا ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، إِذَا خَرَجُوا مِنهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيهِ } قاله علي وابن عباس . الثاني : ما قاله السدي : أن البيت المعمور ، هو بيت فوق ست سموات ، ودون السابعة ، يدعى الضراح ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس لا يرجعون إليه أبداً ، وهو بحذاء البيت العتيق . الثالث : ما قاله الربيع بن أنس ، أن البيت المعمور كان في الأرض في موضع الكعبة في زمان آدم ، حتى إذا كان زمان نوح أمرهم أن يحجوا ، فأبوا عليه وعصوه ، فما طغى الماء رفع فجعل بحذائه في السماء الدنيا ، فيعمره ، فبوأ اللّه لإبراهيم الكعبة البيت الحرام حيث كان ، قاله اللّه تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيْمَ مَكَانَ الْبَيْتِ } الآية . الرابع : ما قاله الحسن أن البيت المعمور هو البيت الحرام . وفي { الْمَعْمُورِ } وجهان : أحدهما : أنه معمور بالقصد إليه . الثاني : بالمقام عليه ، قال الشاعر : عمر البيت عامر إذ أتته جآذر من ظباء روائح وظباء تباكر وتأول سهل أنه القلب ، عمارته إخلاصه ، وهو بعيد . ٥{ وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه السماء ، قاله علي . الثاني : أنه العرش ، قاله الربيع . { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه جهنم ، رواه صفوان بن يعلى عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) . الثاني : هو بحر تحت العرش ، رواه أبو صالح عن علي رضي اللّه عنه . الثالث : هو بحر الأرض ، وهو الظاهر . ٦وفي قوله : { الْمَسْجُورِ } سبعة تأويلات : أحدها : المحبوس ، قاله ابن عباس والسدي . الثاني : أنه المرسل ، قاله سعيد بن جبير . الثالث : الموقد ناراً ، قاله مجاهد . الرابع : أنه الممتلىء ، قاله قتادة . الخامس : أنه المختلط ، قاله ابن بحر . السادس : أنه الذي قد ذهب ماؤه ويبس ، رواه ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير . السابع : هو الذي لا يشرب من مائه ولا يسقى به زرع ، قاله العلاء بن زيد . ٧هذا آخر القسم ، وجوابه : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لوَاقِعٌ } روى الكلبي : أن جبير بن مطعم قدم المدينة ليفدي حريفاً له يقال له مالك أسر يوم بدر ، فوجد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في صلاة [ المغرب ] يقرأ { وَالطُّورِ } فجلس مستمعاً ، حتى بلغ قوله تعالى : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } فأسلم جبير خوفاً من العذاب ، وجعل يقول : ما كنت أظن أن أقوم من مقامي ، حتى يقع بي العذاب . ٩{ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً } فيه سبعة تأويلات أحدها : معناه تدور دوراً ، قاله مجاهد ، قال طرفة بن العبد : صهابية العثنون موجدة القرا بعيدة وخد الرجل موارة اليد . الثاني : تموج موجاً ، قاله الضحاك . الثالث : تشقق السماء ، قاله ابن عباس لقوله تعالى { فَإِذَا بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً } الآية . الرابع : تجري السماء جرياً ، ومنه قول جرير : وما زالت القتلى تمور دماؤها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل الخامس : تتكفأ بأهلها ، قاله أبو عبيدة وأنشد بيت الأعشى : كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل السادس : تنقلب انقلاباً . السابع : أن السماء ها هنا الفلك ، وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره ، قاله ابن بحر . ١٠وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (١٠) ١١فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) ١٢اَلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) ١٣{ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً } فيه تأويلان : أحدهما : يدفعون دفعاً عنيفاً ومنه قول الراجز : يدعه بصفحتي حيزومه دع الوصي جانبي يتيمه قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وابن زيد . الثاني : يزعجون إزعاجاً ، قاله قتادة . ويحتمل ثالثاً : أن يدعهم زبانيتها بالدعاء عليهم . ١٤هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤) ١٥أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ (١٥) ١٦اِصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦) ١٧إن المتقين في . . . . . ١٨{ فَاكِهِينَ بِمَآ ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ } فيه خمسة أوجه : أحدها : معجبين ، قاله ابن عباس . الثاني : ناعمين ، قاله قتادة . الثالث : فرحين ، قاله السدي . الرابع : المتقابلين بالحديث الذي يسر ويؤنس ، مأخوذ من الفكاهة ، قاله ابن بحر . الخامس : ذوي فاكهة كما قيل : لابن وتامر ، أي ذو لبن وتمر ، قاله عبيدة ، ومعنى ذلك ، أنهم ذوو بساتين فيها فواكه . ١٩كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) ٢٠{ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } والسرر الوسائد ، وفي المصفوفة ثلاثة أوجه : أحدها : المصفوفة بين العرش ، قاله عكرمة . الثاني : هي الموصولة بالذهب . الثالث : أنها الموصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفاً ، قاله ابن بحر . { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } والعين الواسعة الأعين في صفائها ، وهو جمع عيناء ، ومنه قول الشاعر : فحُور قد لهون وهن عين نواعم في المروط وفي الرياط وفي تسميتهن حوراً وجهان : أحدهما : لأنه يحار فيهن الطرف ، قاله مجاهد . الثاني : لبياضهن ، قاله الضحاك ، ومنه قيل للخبز حوار لبياضه . ٢١والذين آمنوا واتبعتهم . . . . . { وَالَّذِينَ ءَآمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانِ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : أن اللّه يدخل الذرية بإيمان الأباء الجنة ، قاله ابن عباس . الثاني : أن اللّه تعالى يعطي الذرية مثل أجور الآباء من غير أن ينقص الآباء من أجورهم شيئاً ، قاله إبراهيم . الثالث : أنهم البالغون عملوا بطاعة اللّه مع آبائهم فألحقهم اللّه بآبائهم ، قاله قتادة . الرابع : أنه لما أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوها تبعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها ، قاله ابن زيد . { وَمآ أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِمِ مِّن شَيْءٍ } فيه تأويلان : أحدهما : ما نقصناهم ، قاله ابن عباس ، قال رؤبة : وليلة ذات سرى سريت ولم يلتني عن سراها ليت أي لم ينقصني ، ومعنى الكلام : ولم ينقص الآباء بما أعطينا الأبناء . الثاني : معناه وما ظلمناهم ، قاله ابن جبير ، قال الحطيئة : أبلغ سراة بني سعد مغلغلة جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذباً أي لا ظلماً ، ولا كذباً . ومعنى الكلام : لم نظلم الآباء بما أعطينا الأبناء ، وإنما فعل تعالى ذلك بالأبناء كرمة للآباء . { كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } فيه وجهان : أحدهما : مؤاخذة كما تؤخذ الحقوق من الرهون . الثاني : أنه يحبس ، ومنه الرهن لاحتباسه بالحق قال الشاعر : وما كنت أخشى أن يكون رهينة لأحمر قبطي من القوم معتق ٢٣{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي ، يتعاطون ويتساقون بأن يناول بضعهم بعضاً ، وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة . والكأس إناء مملوء من شراب وغيره فهو كأس ، فإذا فرغ لم يسم كاساً ، وشاهد التنازع والكأس في اللغة قول الأخطل : وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحضور ولا فيها بسوار نازعته طيب الراح السمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعه الساري . { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } فيها أربعة أوجه : أحدها : لا باطل في الخمر ولا مأثم ، قاله ابن عباس وقتادة ، وإنما ذلك في الدنيا من الشيطان . الثاني : لا كذب فيها ولا خلف ، قاله الضحاك . الثالث : لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضاً ، قاله مجاهد . الرابع : لا لغو في الجنة ولا كذب ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً . واللغو ها هنا فحش الكلام كما قال ذو الرمة : فلا الفحش فيه يرهبون ولا الخنا عليهم ولكن هيبة هي ما هيا بمستحكم جزل المروءة مؤمن من القوم لا يهوى الكلام اللواغيا ٢٤{ وَيَطُوفُ عَلَيْهُمْ غِلُمَانٌ لَّهُمْ } ذكر ابن بحر فيه وجهين : أحدهما : ان يكون الأطفال من أولادهم الذين سبقوهم ، فأقَرَّ اللّه بهم أعينهم . الثاني : أنهم من أخدمهم اللّه إياهم من أولاد غيرهم . { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } أي مصون بالكن والغطاء ، ومنه قول الشاعر : قد كنت أعطيهم مالاً وأمنعهم عرضي ، وودهم في الصدر مكنون قال قتادة : بلغني أنه قيل يا رسول اللّه هذا الخدم مثل اللؤلؤ المكنون فكيف المخدوم ؟ قال : { والذي نفسي بيده لفضل ما بينهم ، كفضل القمر ليلة البدر على النجوم } . { فَمَنَّ اللّه عَلَيْنَا } يحتمل وجهين : أحدهما : بالجنة والنعيم . الثاني : بالتوفيق والهداية . { وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه عذاب النار ، قاله ابن زيد . وقال الأصم : السموم اسم من أسماء جهنم . الثاني : أنه وهج جهنم ، وهو معنى قول ابن جريج . الثالث : لفح الشمس والحر ، وقد يستعمل في لفح البرد ، كما قال الراجز : اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا نلومه ٢٥وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥) ٢٦قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦) ٢٧فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧) ٢٨{ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أن البر الصادق ، قاله ابن جريج . الثاني : اللطيف ، قاله ابن عباس . الثالث : أنه فاعل البر المعروف به ، قاله ابن بحر . ٢٩{ فَذَكِّرْ } يعني بالقرآن . { فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ } يعني برسالة ربك . { بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } تكذيباً لعتبة بن ربيعة حيث قال إنه ساحر ، وتكذيباً لعقبة بن معيط ، حيث قال : إنه مجنون . ٣٠{ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } قال قتادة : قال ناس من الكفار : تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه ، كما كفاكم شاعر بني فلان ، وشاعر بني فلان ، قال الضحاك : هؤلاء بنو عبد الدار ، نسبوه إلا أنه شاعر . وفي { ريب المنون } وجهان : أحدهما : الموت ، قاله ابن عباس . الثاني : حوادث الدهر ، قاله مجاهد . المنون : الدهر ، قال أبو ذؤيب : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع ٣١قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) ٣٢أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) ٣٣أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَ يُؤْمِنُونَ (٣٣) ٣٤فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤) ٣٥أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) ٣٦أم خلقوا السماوات . . . . . ٣٧{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } فيه وجهان : أحدهما : مفاتيح الرحمة . الثاني : خزائن الرزق . { أَمْ هُمْ الْمُصَيْطِرُونَ } فيه أربعة أوجه : أحدها : المسلطون ، قاله ابن عباس والضحاك . الثاني : أنهم الأرباب ، قاله الحسن وأبو عبيد . الثالث : معناه : أم هم المتولون ، وهذا قد روي عن ابن عباس أيضاً . الرابع : أنهم الحفظة ، مأخوذ من تسطير الكتاب ، الذي يحفظ ما كتب فيه فصار المسيطر هنا حافظاً ما كتبه اللّه في اللوح المحفوظ ، قاله ابن بحر . ٣٨{ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } فيه وجهان : أحدهما : أن السلم المرتقى إلى السماء ، ومنه قول ابن مقبل : لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا يبنى له في السموات السلاليم الثاني : أنه السبب الذي يتوصل به إلى عوالي الأشياء ، قال الشاعر : تجنيت لي ذنباً وما إن جنيته لتتخذي عذراً إلى الهجر سلماً وقوله { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } يحتمل وجهين : أحدهما : يستمعون من السماء ما يقضيه اللّه على خلقه . الثاني : يستمعون منها ما ينزل اللّه على رسله من وحيه . { فلْيَأْتِ مْسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فيه وجهان : أحدهما : فليأت صاحبهم بحجة ظاهرة تدل على صدقه . الثاني : فليأت بقوة تتسلط على الأسماع وتدل على قدرته . ٣٩أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) ٤٠أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) ٤١أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) ٤٢أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) ٤٣أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) ٤٤{ وَإِن يَرَواْ كِسْفاً مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطاً } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يعني قطعاً من السماء ، قاله قتادة . الثاني : جانباً من السماء . الثالث : عذاباً من السماء ، قاله المفضل . وسمي كسفاً لتغطيته ، والكسف : التغطية ، ومنه أخذ كسوف الشمس والقمر . { يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } في مركوم وجهان : أحدهما : أنه الغليظ ، قاله ابن بحر . الثاني : أنه الكثير المتراكب ، قاله الضحاك . ومعنى الآية : أنهم لو رأو سقوط كسف من السماء عليهم عقاباً لهم لم يؤمنوا ولقالوا إنه سحاب مركوم بعضه على بعضه . ٤٥{ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : يوم يموتون ، قاله قتادة . الثاني : النفخة الأولى ، حكاه ابن عيسى . الثالث : يوم القيامة يغشى عليهم من هول ما يشاهدونه ، ومنه قوله تعالى : { وَخَرَّ مُوْسَى صَعِقاً } أي مغشياً عليه . ٤٧{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ صَعِقاً } أي مغشياً عليه . { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : عذاب القبر ، قاله علي . الثاني : الجوع ، قاله مجاهد . الثالث : مصابهم في الدنيا ، قاله الحسن . وفي المراد بالذين ظلموا ها هنا قولان : أحدهما : أنهم أهل الصغائر من المسلمين . الثاني : أنهم مرتكبو الحدود منهم . ٤٨{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } فيه وجهان : أحدهما : لقضائه فيما حملك من رسالته . الثاني : لبلائه فيما ابتلاك به من قومك . { فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : بعلمنا ، قاله السدي . الثاني : بمرأى منا ، حكاه ابن عيسى . الثالث : بحفظنا وحراستنا ، ومنه قوله تعالى لموسى : { وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي } " [ طه : ٣٩ ] بحفظي وحراستي ، قاله الضحاك . { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } فيه أربعة أقاويل أحدها : أن يسبح اللّه إذا قام من مجلسه ، قاله أبو الأحوص ، ليكون تكفيراً لما أجرى في يومه . الثاني : حين تقوم من منامك ، ليكون مفتتحاً لعمله بذكر اللّه ، قاله حسان بن عطية . الثالث : حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر ، قاله زيد بن أسلم . الرابع : أنه التسبيح في الصلاة ، إذا قام إليها . وفي هذا التسبيح قولان : أحدهما : هو قول : سبحان ربي العظيم ، في الركوع ، وسبحان ربي الأعلى ، في السجود . الثاني : التوجه في الصلاة بقوله : سبحانك اللّهم وبحمدك [ وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ] ، قاله الضحاك . ٤٩{ وَمِنَ الِّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها صلاة الليل . الثاني : التسبيح فيها . الثالث : أنه التسبيح في صلاة وغير صلاة . وأما { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها ركعتان قبل الفجر ، رواه ابن عباس عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، إِدْبَارُ النُّجومِ ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ إِدْبَارُ السُّجُودِ } . الثاني : أنها ركعتا الفجر قبل الغداة . الثالث : أنه التسبيح بعد الصلاة ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، وروي عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال : لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر . |
﴿ ٠ ﴾