سورة القمر

مكية في قول الجمهور ، وقال مقاتل إلا ثلاث آيات من قوله : { أم يقولون نحن جميع منتصر } إلى قوله ؛ { والساعة أدهى وأمر } .

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } أي دنت وقربت ، قال الشاعر :

قد اقتربت لو كان في قرب دارها

جداء ولكن قد تضر وتنفع

والمراد بالساعة القيامة ، وفي تسميتها بالساعة وجهان :

أحدهما : لسرعة الأمر فيها .

الثاني : لمجيئها في ساعة من يومها .

وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصاً وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً } . { وَانشَقَّ الْقَمَرُ } فيه ثلاثة أقاويل

 أحدها : معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب مثلاً فيما وضح أمره ، قال الشاعر :

أقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر

وشدت لطيات مطايا وأرحل

والثاني : أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه ، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه ، كما قال النابغة الجعدي :

فلما أدبروا ولهم دوي

دعانا عند شق الصبح داعي

الثالث : أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه

. وفيه على هذا التأويل قولان :

أحدهما : أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية ، قاله الحسن ، قال : لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رأه لأنها آية والناس في الآيات سواء .

الثاني : وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً لسب أبي جهل لرسول اللّه ، أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه ، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال : رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة قبل مخرج النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) إلى المدينة ، شقة على أبي قبيس ، وشقة على السويدا فقالوا : سحر القمر ، فنزلت { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ الْقَمَرُ } .

٢

{ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه أراد أي آية روأها أعرضوا عنها ولم يعتبروا بها ، وكذلك ذكرها بلفظ التنكير دون التعريف ، قاله ابن بحر .

الثاني : أنه عنى بالآية انشقاق القمر حين رأوه .

{ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } فيه خمسة أوجه :

أحدها : أن معنى مستمر ذاهب ، قاله أنس وأبو عبيدة .

الثاني : شديد ، مأخوذ من إمرار الحبل ، وهو شدة فتله ، قاله الأخفش والفراء .

الثالث : أنه يشبه بعضه بعضاً .

الرابع : أن المستمر الدائم ، قال امرؤ القيس :

ألا إنما الدنيا ليال وأعصر

وليس على شيء قويم بمستمر

أي بدائم .

الخامس : أي قد استمر من الأرض إلى السماء ، قاله مجاهد .

٣

{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } فيه أربعة أوجه

 أحدها : يوم القيامة .

الثاني : كل أمر مستقر في أن الخير لأهل الخير ، والشر لأهل الشر ، قاله قتادة .

الثالث : أن كل أمر مستقر حقه من باطله .

الرابع : أن لكل شيء غاية ونهاية في وقوعه وحلوله ، قاله السدي .

ويحتمل خامساً ، أن يريد به دوام ثواب المؤمن وعقاب الكافر .

٤

{ وَلَقْدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنْبَآءِ } فيه وجهان :

أحدهما : أحاديث الأمم الخالية ، قاله الضحاك .

الثاني : القرآن .

{ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي مانع من المعاصي .

ويحتمل وجهين :

أحدهما : أنه النهي .

الثاني : أنه الوعيد .

٥

{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } قاله السدي : هي الرسالة والكتاب .

ويحتمل أن يكون الوعد والوعيد .

ويحتمل قوله : { بَالِغَةٌ } وجهين :

أحدهما : بالغة في زجركم .

الثاني : بالغة من اللّه إليكم ، فيكون على الوجه الأول من المُبَالَغَةِ ، وعلى الوجه الثاني من الإبْلاَغ .

{ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } أي فما يمنعهم التحذير من التكذيب .

٦

فتول عنهم يوم . . . . .

٧

خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ اْلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)

٨

{ مّهْطِعِينَ إلَى الدَّاعِ } فيه ستة تأويلات

 أحدها : معناه : مسرعين ، قاله أبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر :

بدجلة دارهم ولقد أراهم

بدجلة مهطعين إلى السماع

الثاني : معناه : مقبلين ، قاله الضحاك

.

الثالث : عامدين ، قاله قتادة .

الرابع : ناظرين ، قاله ابن عباس .

الخامس : فاتحين آذانهم إلى الصوت ، قاله عكرمة .

السادس : قابضين ما بين أعينهم ، قاله تميم .

{ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } يعني يوم القيامة ، لما ينالهم فيه من الشدة .

٩

كذبت قبلهم قوم . . . . .

{ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } فيه وجهان :

أحدهما : أن المنهمر الكثير ، قاله السدي ، قال الشاعر :

أعيني جودا بالدموع الهوامر

على خير باد من معد وحاضر

الثاني : أنه المنصب المتدفق ، قاله المبرد ، ومنه قول امرىء القيس :

راح تمرية الصبا ثم انتحى

فيه شؤبوب جنوب منهمر

وفي فتح أبواب السماء قولان :

أحدهما : أنه فتح رتاجها وسعة مسالكها .

الثاني : أنها المجرة وهي شرج السماء ومنها فتحت بماء منهمر ، قاله علي .

١٢

{ فَالْتَقَى الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } فيه وجهان :

أحدهما : فالتقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر ، حكاه ، ابن قتيبة .

الثاني : قدر بمعنى قضي عليهم ، قاله قتادة ، وقدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا .

١٣

{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحِ وَدُسُرٍ } أي السفينة ، وفي الدسر أربعة أقاويل :

أحدها : المعاريض التي يشد بها عرض السفينة ، قاله مجاهد .

الثاني : أنها المسامير دسرت بها السفينة ، أي شدت ، قاله ابن جبير وابن زيد .

الثالث : صدر السفينة الذي يضرب الموج ، قاله عكرمة ، لأنها تدسر الماء بصدرها ، أي تدفعه .

الرابع : أنها طرفاها ، وأصلها ، قاله الضحاك .

١٤

{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } فيه أربعة أوجه :

أحدها : بمرأى منا .

الثاني : بأمرنا ، قاله الضحاك .

الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها .

الرابع : بأعين الماء التي أتبعناها في قوله : { وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً } ، وقيل : إنها تجري بين ماء الأرض والسماء ، وقد كان غطاها عن أمر اللّه سبحانه . { جَزَآءً لِمَن كَانَ كُفِرَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لكفرهم باللّه ، قاله مجاهد ، وابن زيد .

والثاني : جزاء لتكذيبهم ، قاله السدي .

الثالث : مكافأة لنوح حين كفره قومه أن حمل ذات ألواح ودسر .

١٧

{ وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَآ ءَايَةً } فيها وجهان :

أحدها : الغرق .

الثاني : السفينة روى سعيد عن قتادة أن اللّه أبقاها بباقردي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة .

وفي قوله : { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } ثلاثة أقاويل :

أحدها : يعني فهل من متذكر ، قاله ابن زيد .

الثاني : فهل من طالب خير فيعان عليه ، قاله قتادة .

الثالث : فهل من مزدجر عن معاصي اللّه ، قاله محمد بن كعب .

{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : معناه سهلنا تلاوته على إهل كل لسان ، وهذا أحد معجزاته ، لأن الأعجمي قد يقرأه ويتلوه كالعربي .

الثاني : سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه ، قاله مقاتل .

الثالث : هونا حفظه فأيسر كتاب يحفظ هو كتاب اللّه ، قاله الفراء .

١٨

كذبت عاد فكيف . . . . .

١٩

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } فيه ثلاثة أوجه :

 أحدها : باردة ، قاله قتادة ، والضحاك .

الثاني : شديدة الهبوب ، قاله ابن زيد .

الثالث : التي يسمع لهبوبها كالصوت ، ومنه قول الشاعر :

. . . . . . . . . . . . . . .

باز يصرصر فوق المرقب العالي

{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِّرٍ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : يوم عذاب وهلاك .

الثاني : لأنه كان يوم الأربعاء .

الثالث : لأنه كان يوماً بارداً ، قال الشنفرى :

وليلة نحس يصطلي القوس ربها

وأقطعه اللاتي بها ينبل

يعني أنه لشدة بردها يصطلي بقوسه وسهامه التي يدفع بها عن نفسه . وفي { مُسْتَمِرٍ } وجهان :

أحدهما : الذاهب .

الثاني : الدائم .

٢٠

تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠)

٢١

فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١)

٢٢

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)

٢٣

كذبت ثمود بالنذر

{ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أن السعر الجنون ، قاله ابن كامل .

الثاني : العناء ، قاله قتادة .

الثالث : الافتراق ، قاله السدي .

الرابع : التيه ، قاله الضحاك .

الخامس : أنه جمع سعر وهو وقود النار ، قاله ابن بحر وابن عيسى .

وعلى هذا التأويل في قولهم ذلك وجهان :

أحدهما : أنهم قالوه لعظم ما نالهم أن يتبعوا رجلاً واحداً منهم ، كما يقول الرجل إذا ناله خطب عظيم : أنا في النار .

الثاني : أنهم لما أوعدوا على تكذيبه ومخالفته بالنار ردوا مثل ما قيل لهم إنّا لو اتبعنا رجلاً مثلنا واحداً كنا إذاً في النار .

٢٥

{ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن الأشر هو العظيم الكذب ، قاله السدي .

الثاني : أنه البطر ، ومنه قول الشاعر :

أشرتم بلبس الخز لما لبستم

ومن قبل لا تدرون من فتح القرى

الثالث : أنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها .

٢٦

سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ اْلأَشِرُ (٢٦)

٢٧

{ إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَة فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ } أما الاصطبار فهو الافتعال من الصبر وأصل الطاء تاء أبدلت بطاء ليكون اللفظ أسهل مخرجاً ويعذب مسمعاً . وروى أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر فغزا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) تبوك ، قال : { أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَسْأَلُوا عَن هَذِهِ الآياتِ [ هؤلاء ] قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُم أَن يَبْعَثَ اللّه لَهُم آيَة ، فَبَعَثَ اللّه لَهُم نَاقَةً فَكَانَتْ تَرِدُ مِن ذَلَكِ الفَجَ فَتَشْرَبُ مَاءَهُم يَوْمَ وُرُودِهَا وَيَحْلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَيَصْدِرُونَ عَن ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَنَبِئّهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم } } الآية . وفيه وجهان :

أحدهما : أن الناقة تحضر الماء يوم ورودهم ، وتغيب عنهم يوم ورودها ، قاله مقاتل .

الثاني : أن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحلبون .

{ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ } فيه قولان

: أحدهما : انه أحمر إرم وشقيها ، قاله قتادة ، وقد ذكره زهير في شعره فقال :

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

الثاني : أنه قدار بن سالف ، قاله محمد بن إسحاق ، وقد ذكره الأفوه في شعره :

أو بعده كقدار حين تابعه

على الغاوية أقوام فقد بادوا

{ فَتَعَاطَى } فيه وجهان

: أحدهما : أن معناه بطش بيده ، قاله ابن عباس .

الثاني : معناه تناولها وأخذها ، ومنه قول حسان بن ثابت :

كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل

{ فَعَقَرَ } قال محمد بن إسحاق : كَمَنَ لها قدار في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدر سقبها [ من بطنها وانطلق سقبها ] حتى اتى صخرة في رأس الجبل فرغا ثم لاذ بها ، فأتاهم صالح ، فلما رأى الناقة قد عقروها بكى ثم قال : انتهكتم حرمة اللّه فأبشروا بعذاب اللّه .

قال ابن عباس : وكان الذي عقرها رجل أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى .

٢٨

وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)

٢٩

فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩)

٣٠

فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠)

٣١

{ فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } فيه خمسة أقاويل :

أحدهما : يعني العظام المحترقة ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه التراب الذي يتناثر من الحائط وتصيبه الريح ، فيحتظر مستديراً ، قاله سعيد بن جبير .

الثالث : أنها الحظار البالية من الخشب إذا صار هشيماً ، ومنه قول الشاعر :

أثرت عجاجة كدخان نار

تشب بغرقد بال هشيم

قاله الضحاك .

الرابع : أنه حشيش قد حظرته الغنم فأكلته ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً

الخامس : أن الهشيم اليابس من الشجر الذي فيه شوك والمحتظر الذي تحظر به العرب حول ماشيتها من السباع ، قاله ابن زيد ، وقال الشاعر :

ترى جيف المطي بجانبيه

كان عظامها خشب الهشيم .

٣٢

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)

 ٣٣

كذبت قوم لوط . . . . .

٣٤

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } فيه خمسة أوجه :

أحدها : أن الحصب الحجارة التي رموا بها من السماء ، والحصباء هي الحصى وصغار الأحجار .

الثاني : أن الحاصب الرمي بالأحجار وغيرها ، ولذلك تقول العرب لما تسفيه الريح حاصباً ، قال الفرزدق :

مستقبلين شمال الشام تضربنا

بحاصب كنديف القطن منثور

الثالث : أن الحاصب السحاب الذي حصبهم .

الرابع : أن الحاصب الملائكة الذين حصبوهم .

الخامس : أن الحاصب الريح التي حملت عليهم الحصباء .

{ إِلاَّ ءَالَ لُوطٍ } يعني ولده ومن آمن به .

{ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } والسحر هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر ، وهو في كلام العرب اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار .

٣٧

{ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } يعني ضيف لوط وهم الملائكة الذين نزلوا عليه في صورة الرجال ، وكانوا على أحسن صورهم ، فراودوا لوطاً عليهم طلباً للفاحشة .

{ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } والطمس محو الأثر ومنه طمس الكتاب إذا محي ، وفي طمس أعينهم وجهان :

أحدهما : أنهم اختفوا عن أبصارهم حتى لم يروهم ، مع بقاء أعينهم ، قاله الضحاك .

الثاني : أعينهم طمست حتى ذهبت أبصارهم وعموا فلم يروهم ، قاله الحسن ، وقتادة .

٣٨

وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)

٣٩

{ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه وعيد بالعذاب الأدنى ، قاله الضحاك .

الثاني : أنه تقريع بما نالهم من عذاب العمى الحال ، وهو معنى قول الحسن ، وقتادة .

٤٠

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)

٤١

ولقد جاء آل . . . . .

٤٢

{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } يعني أكفاركم خير من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم .

٤٣

{ أَمْ لَكُم بَرَآءةٌ فِي الزُّبُرِ } يعني في الكتب السالفة براءة من اللّه تعالى أنكم ليس تهلكون كما أهلكوا ، ومنه قول الشاعر :

وترى منها رسوماً قد عفت

مثل خط اللام في وحي الزبر

٤٤

{ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } يعني بالعدد والعدة ، وقد كان من هلك قبلهم أكثر عدداً وأقوى يداً ، ويحتمل انتصارهم وجهين :

أحدهما : [ لأنفسهم بالظهور ] .

الثاني : لآلهتهم بالعبادة .

٤٥

فرد اللّه عليهم فقال : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيْوَلُّونَ الدُّبُرَ } يعني كفار قريش وذلك يوم بدر ، وهذه معجزة أوعدهم اللّه بها فحققها ، وفي ذلك يقول حسان :

ولقد وليتم الدبر لنا

حين سال الموت من رأس الجبل

٤٦

{ بَلِ الْسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } يعني القيامة

. { وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } يحتمل وجهين

: أحدهما : أن موقف الساعة أدهى وأمر من موقف الدنيا في الحرب التي تولون فيها الدبر .

الثاني : أن عذاب الساعة أدهى وأمر من عذاب السيف في الدنيا .

وفي قوله { أدْهَى } وجهان :

أحدهما : أخبث .

الثاني : أعظم .

{ وَأَمَرُّ } فيه وجهان

: أحدهما : معناه أشد لأن المرارة أشد الطعوم .

الثاني : معناه أنفذ ، مأخوذ من نفوذ المرارة فيما خالطته .

٤٧

إن المجرمين في . . . . .

{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } روى إسماعيل بن زياد عن محمد بن عباد عن أبي هريرة أن مشركي قريش أتوا النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) يخاصمونه في القدر ، فنزلت .

٤٩

{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فيه وجهان :

أحدهما : على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان ، قاله ابن بحر .

الثاني : بحكم سابق وقضاء محتوم ، ومنه قول الراجز :

وقدر المقدر الأقدارا .

٥٠

{ وَمَآ أَمْرُنْآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بَالْبَصَرِ } يعني أن ما أردناه من شيء أمرنا به مرة واحدة ولم نحتج فيه إلى ثانية ، فيكون ذلك الشيء مع أمرنا به كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير .

٥١

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)

٥٢

وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ

٥٣

{ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أن المستطر المكتوب ، قاله الحسن وعكرمة وابن زيد ، لأنه مسطور .

الثاني : أنه المحفوظ ، قاله قتادة .

٥٤

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن النهر أنهار الماء ، والخمر ، والعسل ، واللبن ، قاله ابن جريج .

الثاني : أن النهر الضياء والنور ، ومنه النهار ، قاله محمد بن إسحاق ، ومنه قول الراجز :

لولا الثريدان هلكنا بالضمر

ثريد ليل وثريد بالنهر

الثالث : أنه سعة العيش وكثرة النعيم ، ومنه اسم نهر الماء ، قاله قطرب .

٥٥

{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِند مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ } فيه وجهان :

أحدهما : مقعد حق لا لغو فيه ولا تأثيم .

الثاني : مقعد صدق للّه وعد أولياءه به ، والمليك والملك واحد ، وهو اللّه كما قال ابن الزبعري :

يا رسول المليك إن لساني

راتق ما فتقت إذا أنابوا

ويحتمل ثالثاً : أن المليك مستحق الملك ، والملك القائم بالملك والمقتدر بمعنى القادر . ويحتمل وصف نفسه بالاقتدار ها هنا وجهين :

أحدهما : لتعظيم شأن من عنده من المتقين لأنهم عند المقتدر أعظم قدراً ، وأعلى مجزاً .

الثاني : ليعلموا أنه قادر على حفظ ما أنعم به عليهم ودوامه لهم ، واللّه أعلم .

﴿ ٠