سورة القمرمكية في قول الجمهور ، وقال مقاتل إلا ثلاث آيات من قوله : { أم يقولون نحن جميع منتصر } إلى قوله ؛ { والساعة أدهى وأمر } . بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } أي دنت وقربت ، قال الشاعر : قد اقتربت لو كان في قرب دارها جداء ولكن قد تضر وتنفع والمراد بالساعة القيامة ، وفي تسميتها بالساعة وجهان : أحدهما : لسرعة الأمر فيها . الثاني : لمجيئها في ساعة من يومها . وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصاً وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً } . { وَانشَقَّ الْقَمَرُ } فيه ثلاثة أقاويل أحدها : معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب مثلاً فيما وضح أمره ، قال الشاعر : أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل والثاني : أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه ، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه ، كما قال النابغة الجعدي : فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داعي الثالث : أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه . وفيه على هذا التأويل قولان : أحدهما : أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية ، قاله الحسن ، قال : لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رأه لأنها آية والناس في الآيات سواء . الثاني : وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً لسب أبي جهل لرسول اللّه ، أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه ، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال : رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة قبل مخرج النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) إلى المدينة ، شقة على أبي قبيس ، وشقة على السويدا فقالوا : سحر القمر ، فنزلت { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ الْقَمَرُ } . ٢{ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ } فيه وجهان : أحدهما : أنه أراد أي آية روأها أعرضوا عنها ولم يعتبروا بها ، وكذلك ذكرها بلفظ التنكير دون التعريف ، قاله ابن بحر . الثاني : أنه عنى بالآية انشقاق القمر حين رأوه . { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } فيه خمسة أوجه : أحدها : أن معنى مستمر ذاهب ، قاله أنس وأبو عبيدة . الثاني : شديد ، مأخوذ من إمرار الحبل ، وهو شدة فتله ، قاله الأخفش والفراء . الثالث : أنه يشبه بعضه بعضاً . الرابع : أن المستمر الدائم ، قال امرؤ القيس : ألا إنما الدنيا ليال وأعصر وليس على شيء قويم بمستمر أي بدائم . الخامس : أي قد استمر من الأرض إلى السماء ، قاله مجاهد . ٣{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } فيه أربعة أوجه أحدها : يوم القيامة . الثاني : كل أمر مستقر في أن الخير لأهل الخير ، والشر لأهل الشر ، قاله قتادة . الثالث : أن كل أمر مستقر حقه من باطله . الرابع : أن لكل شيء غاية ونهاية في وقوعه وحلوله ، قاله السدي . ويحتمل خامساً ، أن يريد به دوام ثواب المؤمن وعقاب الكافر . ٤{ وَلَقْدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنْبَآءِ } فيه وجهان : أحدهما : أحاديث الأمم الخالية ، قاله الضحاك . الثاني : القرآن . { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي مانع من المعاصي . ويحتمل وجهين : أحدهما : أنه النهي . الثاني : أنه الوعيد . ٥{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } قاله السدي : هي الرسالة والكتاب . ويحتمل أن يكون الوعد والوعيد . ويحتمل قوله : { بَالِغَةٌ } وجهين : أحدهما : بالغة في زجركم . الثاني : بالغة من اللّه إليكم ، فيكون على الوجه الأول من المُبَالَغَةِ ، وعلى الوجه الثاني من الإبْلاَغ . { فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } أي فما يمنعهم التحذير من التكذيب . ٦فتول عنهم يوم . . . . . ٧ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ اْلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)
٨{ مّهْطِعِينَ إلَى الدَّاعِ } فيه ستة تأويلات أحدها : معناه : مسرعين ، قاله أبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر : بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع الثاني : معناه : مقبلين ، قاله الضحاك . الثالث : عامدين ، قاله قتادة . الرابع : ناظرين ، قاله ابن عباس . الخامس : فاتحين آذانهم إلى الصوت ، قاله عكرمة . السادس : قابضين ما بين أعينهم ، قاله تميم . { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } يعني يوم القيامة ، لما ينالهم فيه من الشدة . ٩كذبت قبلهم قوم . . . . . { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } فيه وجهان : أحدهما : أن المنهمر الكثير ، قاله السدي ، قال الشاعر : أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر الثاني : أنه المنصب المتدفق ، قاله المبرد ، ومنه قول امرىء القيس : راح تمرية الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر وفي فتح أبواب السماء قولان : أحدهما : أنه فتح رتاجها وسعة مسالكها . الثاني : أنها المجرة وهي شرج السماء ومنها فتحت بماء منهمر ، قاله علي . ١٢{ فَالْتَقَى الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } فيه وجهان : أحدهما : فالتقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر ، حكاه ، ابن قتيبة . الثاني : قدر بمعنى قضي عليهم ، قاله قتادة ، وقدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا . ١٣{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحِ وَدُسُرٍ } أي السفينة ، وفي الدسر أربعة أقاويل : أحدها : المعاريض التي يشد بها عرض السفينة ، قاله مجاهد . الثاني : أنها المسامير دسرت بها السفينة ، أي شدت ، قاله ابن جبير وابن زيد . الثالث : صدر السفينة الذي يضرب الموج ، قاله عكرمة ، لأنها تدسر الماء بصدرها ، أي تدفعه . الرابع : أنها طرفاها ، وأصلها ، قاله الضحاك . ١٤{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } فيه أربعة أوجه : أحدها : بمرأى منا . الثاني : بأمرنا ، قاله الضحاك . الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها . الرابع : بأعين الماء التي أتبعناها في قوله : { وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً } ، وقيل : إنها تجري بين ماء الأرض والسماء ، وقد كان غطاها عن أمر اللّه سبحانه . { جَزَآءً لِمَن كَانَ كُفِرَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : لكفرهم باللّه ، قاله مجاهد ، وابن زيد . والثاني : جزاء لتكذيبهم ، قاله السدي . الثالث : مكافأة لنوح حين كفره قومه أن حمل ذات ألواح ودسر . ١٧{ وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَآ ءَايَةً } فيها وجهان : أحدها : الغرق . الثاني : السفينة روى سعيد عن قتادة أن اللّه أبقاها بباقردي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة . وفي قوله : { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } ثلاثة أقاويل : أحدها : يعني فهل من متذكر ، قاله ابن زيد . الثاني : فهل من طالب خير فيعان عليه ، قاله قتادة . الثالث : فهل من مزدجر عن معاصي اللّه ، قاله محمد بن كعب . { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : معناه سهلنا تلاوته على إهل كل لسان ، وهذا أحد معجزاته ، لأن الأعجمي قد يقرأه ويتلوه كالعربي . الثاني : سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه ، قاله مقاتل . الثالث : هونا حفظه فأيسر كتاب يحفظ هو كتاب اللّه ، قاله الفراء . ١٨كذبت عاد فكيف . . . . . ١٩{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : باردة ، قاله قتادة ، والضحاك . الثاني : شديدة الهبوب ، قاله ابن زيد . الثالث : التي يسمع لهبوبها كالصوت ، ومنه قول الشاعر : . . . . . . . . . . . . . . . باز يصرصر فوق المرقب العالي { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِّرٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يوم عذاب وهلاك . الثاني : لأنه كان يوم الأربعاء . الثالث : لأنه كان يوماً بارداً ، قال الشنفرى : وليلة نحس يصطلي القوس ربها وأقطعه اللاتي بها ينبل يعني أنه لشدة بردها يصطلي بقوسه وسهامه التي يدفع بها عن نفسه . وفي { مُسْتَمِرٍ } وجهان : أحدهما : الذاهب . الثاني : الدائم . ٢٠تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) ٢١فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) ٢٢وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) ٢٣كذبت ثمود بالنذر { إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } فيه خمسة تأويلات : أحدها : أن السعر الجنون ، قاله ابن كامل . الثاني : العناء ، قاله قتادة . الثالث : الافتراق ، قاله السدي . الرابع : التيه ، قاله الضحاك . الخامس : أنه جمع سعر وهو وقود النار ، قاله ابن بحر وابن عيسى . وعلى هذا التأويل في قولهم ذلك وجهان : أحدهما : أنهم قالوه لعظم ما نالهم أن يتبعوا رجلاً واحداً منهم ، كما يقول الرجل إذا ناله خطب عظيم : أنا في النار . الثاني : أنهم لما أوعدوا على تكذيبه ومخالفته بالنار ردوا مثل ما قيل لهم إنّا لو اتبعنا رجلاً مثلنا واحداً كنا إذاً في النار . ٢٥{ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن الأشر هو العظيم الكذب ، قاله السدي . الثاني : أنه البطر ، ومنه قول الشاعر : أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى الثالث : أنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها . ٢٦سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ اْلأَشِرُ (٢٦) ٢٧{ إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَة فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ } أما الاصطبار فهو الافتعال من الصبر وأصل الطاء تاء أبدلت بطاء ليكون اللفظ أسهل مخرجاً ويعذب مسمعاً . وروى أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر فغزا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) تبوك ، قال : { أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَسْأَلُوا عَن هَذِهِ الآياتِ [ هؤلاء ] قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُم أَن يَبْعَثَ اللّه لَهُم آيَة ، فَبَعَثَ اللّه لَهُم نَاقَةً فَكَانَتْ تَرِدُ مِن ذَلَكِ الفَجَ فَتَشْرَبُ مَاءَهُم يَوْمَ وُرُودِهَا وَيَحْلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَيَصْدِرُونَ عَن ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَنَبِئّهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم } } الآية . وفيه وجهان : أحدهما : أن الناقة تحضر الماء يوم ورودهم ، وتغيب عنهم يوم ورودها ، قاله مقاتل . الثاني : أن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحلبون . { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ } فيه قولان : أحدهما : انه أحمر إرم وشقيها ، قاله قتادة ، وقد ذكره زهير في شعره فقال : فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم الثاني : أنه قدار بن سالف ، قاله محمد بن إسحاق ، وقد ذكره الأفوه في شعره : أو بعده كقدار حين تابعه على الغاوية أقوام فقد بادوا { فَتَعَاطَى } فيه وجهان : أحدهما : أن معناه بطش بيده ، قاله ابن عباس . الثاني : معناه تناولها وأخذها ، ومنه قول حسان بن ثابت : كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل { فَعَقَرَ } قال محمد بن إسحاق : كَمَنَ لها قدار في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدر سقبها [ من بطنها وانطلق سقبها ] حتى اتى صخرة في رأس الجبل فرغا ثم لاذ بها ، فأتاهم صالح ، فلما رأى الناقة قد عقروها بكى ثم قال : انتهكتم حرمة اللّه فأبشروا بعذاب اللّه . قال ابن عباس : وكان الذي عقرها رجل أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى . ٢٨وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) ٢٩فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) ٣٠فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) ٣١{ فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } فيه خمسة أقاويل : أحدهما : يعني العظام المحترقة ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه التراب الذي يتناثر من الحائط وتصيبه الريح ، فيحتظر مستديراً ، قاله سعيد بن جبير . الثالث : أنها الحظار البالية من الخشب إذا صار هشيماً ، ومنه قول الشاعر : أثرت عجاجة كدخان نار تشب بغرقد بال هشيم قاله الضحاك . الرابع : أنه حشيش قد حظرته الغنم فأكلته ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً الخامس : أن الهشيم اليابس من الشجر الذي فيه شوك والمحتظر الذي تحظر به العرب حول ماشيتها من السباع ، قاله ابن زيد ، وقال الشاعر : ترى جيف المطي بجانبيه كان عظامها خشب الهشيم . ٣٢وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) ٣٣كذبت قوم لوط . . . . . ٣٤{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } فيه خمسة أوجه : أحدها : أن الحصب الحجارة التي رموا بها من السماء ، والحصباء هي الحصى وصغار الأحجار . الثاني : أن الحاصب الرمي بالأحجار وغيرها ، ولذلك تقول العرب لما تسفيه الريح حاصباً ، قال الفرزدق : مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور الثالث : أن الحاصب السحاب الذي حصبهم . الرابع : أن الحاصب الملائكة الذين حصبوهم . الخامس : أن الحاصب الريح التي حملت عليهم الحصباء . { إِلاَّ ءَالَ لُوطٍ } يعني ولده ومن آمن به . { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } والسحر هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر ، وهو في كلام العرب اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار . ٣٧{ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } يعني ضيف لوط وهم الملائكة الذين نزلوا عليه في صورة الرجال ، وكانوا على أحسن صورهم ، فراودوا لوطاً عليهم طلباً للفاحشة . { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } والطمس محو الأثر ومنه طمس الكتاب إذا محي ، وفي طمس أعينهم وجهان : أحدهما : أنهم اختفوا عن أبصارهم حتى لم يروهم ، مع بقاء أعينهم ، قاله الضحاك . الثاني : أعينهم طمست حتى ذهبت أبصارهم وعموا فلم يروهم ، قاله الحسن ، وقتادة . ٣٨وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) ٣٩{ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه وعيد بالعذاب الأدنى ، قاله الضحاك . الثاني : أنه تقريع بما نالهم من عذاب العمى الحال ، وهو معنى قول الحسن ، وقتادة . ٤٠وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) ٤١ولقد جاء آل . . . . . ٤٢{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } يعني أكفاركم خير من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم . ٤٣{ أَمْ لَكُم بَرَآءةٌ فِي الزُّبُرِ } يعني في الكتب السالفة براءة من اللّه تعالى أنكم ليس تهلكون كما أهلكوا ، ومنه قول الشاعر : وترى منها رسوماً قد عفت مثل خط اللام في وحي الزبر ٤٤{ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } يعني بالعدد والعدة ، وقد كان من هلك قبلهم أكثر عدداً وأقوى يداً ، ويحتمل انتصارهم وجهين : أحدهما : [ لأنفسهم بالظهور ] . الثاني : لآلهتهم بالعبادة . ٤٥فرد اللّه عليهم فقال : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيْوَلُّونَ الدُّبُرَ } يعني كفار قريش وذلك يوم بدر ، وهذه معجزة أوعدهم اللّه بها فحققها ، وفي ذلك يقول حسان : ولقد وليتم الدبر لنا حين سال الموت من رأس الجبل ٤٦{ بَلِ الْسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } يعني القيامة . { وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن موقف الساعة أدهى وأمر من موقف الدنيا في الحرب التي تولون فيها الدبر . الثاني : أن عذاب الساعة أدهى وأمر من عذاب السيف في الدنيا . وفي قوله { أدْهَى } وجهان : أحدهما : أخبث . الثاني : أعظم . { وَأَمَرُّ } فيه وجهان : أحدهما : معناه أشد لأن المرارة أشد الطعوم . الثاني : معناه أنفذ ، مأخوذ من نفوذ المرارة فيما خالطته . ٤٧إن المجرمين في . . . . . { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } روى إسماعيل بن زياد عن محمد بن عباد عن أبي هريرة أن مشركي قريش أتوا النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) يخاصمونه في القدر ، فنزلت . ٤٩{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فيه وجهان : أحدهما : على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان ، قاله ابن بحر . الثاني : بحكم سابق وقضاء محتوم ، ومنه قول الراجز : وقدر المقدر الأقدارا . ٥٠{ وَمَآ أَمْرُنْآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بَالْبَصَرِ } يعني أن ما أردناه من شيء أمرنا به مرة واحدة ولم نحتج فيه إلى ثانية ، فيكون ذلك الشيء مع أمرنا به كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير . ٥١وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) ٥٢وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٣{ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } فيه وجهان : أحدهما : أن المستطر المكتوب ، قاله الحسن وعكرمة وابن زيد ، لأنه مسطور . الثاني : أنه المحفوظ ، قاله قتادة . ٥٤{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن النهر أنهار الماء ، والخمر ، والعسل ، واللبن ، قاله ابن جريج . الثاني : أن النهر الضياء والنور ، ومنه النهار ، قاله محمد بن إسحاق ، ومنه قول الراجز : لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر الثالث : أنه سعة العيش وكثرة النعيم ، ومنه اسم نهر الماء ، قاله قطرب . ٥٥{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِند مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ } فيه وجهان : أحدهما : مقعد حق لا لغو فيه ولا تأثيم . الثاني : مقعد صدق للّه وعد أولياءه به ، والمليك والملك واحد ، وهو اللّه كما قال ابن الزبعري : يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذا أنابوا ويحتمل ثالثاً : أن المليك مستحق الملك ، والملك القائم بالملك والمقتدر بمعنى القادر . ويحتمل وصف نفسه بالاقتدار ها هنا وجهين : أحدهما : لتعظيم شأن من عنده من المتقين لأنهم عند المقتدر أعظم قدراً ، وأعلى مجزاً . الثاني : ليعلموا أنه قادر على حفظ ما أنعم به عليهم ودوامه لهم ، واللّه أعلم . |
﴿ ٠ ﴾