٢قوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني يهود بني النضير . { من ديارهم } يعني من منازلهم . { لأول الحشر } أجلاهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بعد رجوعه من أُحد إلى أذرعات الشام ، وأعطى كل ثلاثة بعيراً يحملون عليه ما استقل إلا السلاح ، وكان النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قد عاهدهم حين هاجر إلى المدينة أن لا يقاتلوا معه ولا عليه ، فكفوا يوم بدر لظهور المسلمين ، وأعانوا المشركين يوم أحد حين رأوا ظهورهم على المسلمين ، فقتل رئيسهم كعب بن الأشرف ، قتله محمد بن مسلمة غيلة . ثم سار إليهم رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فحاصرهم ثلاثاً وعشرين ليلة محارباً حتى أجلاهم عن المدينة . في قوله : { لأول الحشر } ثلاثة أوجه : أحدها : لأنهم أول من أجلاه النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) من اليهود ، قاله ابن حبان . الثاني : لأنه اول حشرهم ، لأنهم يحشرون بعدها إلى أرض المحشر في القيامة ، قاله الحسن . وروي عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه لما أجلى بني النضير قال لهم { امضوا فهذا أول الحشر وأنا على الأثر . } الثالث : أنه أول حشرهم لما ذكره قتادة أنه يأتي عليهم بعد ذلك من مشرق الشمس نار تحشرهم إلى مغربها تبيت معهم إذ باتوا [ وتقيل معهم حيث قالوا ] وتأكل منهم من تخلف . { ما ظننتم أن يخرجوا } يعني من ديارهم لقوتهم وامتناعهم . { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من اللّه } أي من أمر اللّه . { فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا } فيه وجهان : أحدهما : لم يحتسبوا بأمر اللّه . الثاني : قاله ابن جبير والسدي : من حيث لم يحتسبوا بقتل ابن الأشرف . { وقذف في قلوبهم الرعب } فيه وجهان : أحدهما : لخوفهم من رسول اللّه . الثاني : بقتل كعب بن الأشرف . { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } فيه خمسة أوجه : أحدها : بأيديهم بنقض الموادعة ، وأيدي المؤمنين بالمقاتلة ، قاله الزهري . الثاني : بأيديهم في تركها ، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها ، قاله أبو عمرو ابن العلاء . الثالث : بأيديهم في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذها المسلمون ، وبأيدي المؤمنين في إخراب ظواهرها ليصلوا بذلك إليهم . قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوها من داخل ، وخربها المسلمون من خارج . الرابع : معناه : أنهم كانوا كلما هدم المسلمون عليهم من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يبنون به من حصونهم ، قاله الضحاك . الخامس : أن تخريبهم بيوتهم أنهم لما صولحوا على حمل ما أقلته إبلهم جعلوا ينقضون ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتار ليحملوها على إبلهم ، قاله عروة بن الزبير ، وابن زيد . وفي قوله : { يخربون } قراءتان : بالتخفيف ، وبالتشديد ، وفيهما وجهان : أحدهما : أن معناهما واحد وليس بينهما فرق . الثاني : أن معناهما مختلف . وفي الفرق بينهما وجهان : أحدهما : أن من قرأ بالتشديد أراد إخرابها بأفعالهم ، ومن قرأ بالتخفيف أراد إخرابها بفعل غيرهم قاله أبو عمرو . الثاني : أن من قرأ بالتشديد أراد إخرابها بهدمهم لها . وبالتخفيف أراد فراغها بخروجهم عنها ، قاله الفراء . ولمن تعمق بغوامض المعاني في تأويل ذلك وجهان : أحدهما : يخربون بيوتهم أي يبطلون أعمالهم بأيديهم ، يعني باتباع البدع ، وأيدي المؤمنين في مخالفتهم . |
﴿ ٢ ﴾