سورة الصفمدنية في قول الجميع بسم اللّه الرحمن الرحيم ١سبح للّه ما . . . . . ٢قوله تعالى : { يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها نزلت في قوم قالوا : لو عملنا أحب الأعمال إلى اللّه لسارعنا إليه ، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه ، قاله ابن عباس ومجاهد . الثاني : أنها نزلت في قوم كان يقول الرجال منهم : قاتلت ولم يقاتل ، وطعنت ، ولم يطعن ، وضربت ، ولم يضرب وصبرت ، ولم يصبر ، وهذا مروي عن عكرمة . الثالث : أنها نزلت في المنافقين كانوا يقولون للنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ولأصحابه إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا . وهذه الآية وإن كان ظاهرها الإنكار لمن قال ما لا يفعل فالمراد بها الإنكار لمن لم يفعل ما قال ، لأن المقصود بها القيام بحقوق الالتيام دون إسقاطه . ٤{ إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } مصطفين صفوفاً كالصلاة ، لأنهم إذا اصطفوا مثلاً صفين كان أثبت لهم وأمنع من عدوهم . قال سعيد بن جبير : هذا تعليم من اللّه للمؤمنين . { كأنهم بنيان مرصوص } فيه وجهان : أحدهما : أن المرصوص الملتصق بعضه إلى بعض لا ترى فيه كوة ولا ثقباً لأن ذلك أحكم في البناء من تفرقه وكذلك الصفوف ، قاله ابن جبير ، قال الشاعر : وأشجر مرصوص بطين وجندل له شرفات فوقهن نصائب والثاني : أن المرصوص المبني بالرصاص ، قاله الفراء ، ومنه قول الراجز : ما لقي البيض من الحرقوص يفتح باب المغلق المرصوص ٥وإذ قال موسى . . . . . { فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم } وفي الزيغ وجهان : أحدهما : أنه العدول ، قاله السدي . الثاني : أنه الميل ، إلا أنه لا يستعمل إلا في الزيغ عن الحق دون الباطل . ويحتمل تأويله وجهين : أحدهما : فلما زاغوا عن الطاعة أزاغ اللّه قلوبهم عن الهداية . الثاني : فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ قلوبهم عن الكلام . وفي المعِنيّ بهذا الكلام ثلاثة أقاويل : أحدها : المنافقون . الثاني : الخوارج ، قاله مصعب بن سعيد عن أبيه . الثالث : أنه عام . { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وهذه البشرى من عيسى تتضمن أمرين : أحدهما : تبليغ ذلك إلى قومه ليؤمنوا به عند مجيئه ، وذلك لا يكون منه بعد إعلام اللّه له بذلك إلا عن أمر بتبليغ ذلك إلى أمته . الثاني : ليكون ذلك من معجزات عيسى عند ظهور محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، وهذا يجوز أن يقتصر عيسى فيه على إعلام اللّه له بذلك دون أمره بالبلاغ . وفي تسمية اللّه له بأحمد وجهان : أحدهما : لأنه من أسمائه فكان يسمى أحمد ومحمداً قال حسان : صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد الثاني : أنه مشتق من اسمه محمود ، فصار الاشتقاق اسماً ، كما قال حسان : وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وروي عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار ، واسمي في الزبور الماحي محا اللّه بي عبادة الأصنام ، واسمي في الإنجيل أحمد ، واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض . } ٦وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) ٧{ ومن أظلم ممن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام } فيهم قولان : أحدهما : أنهم الكفار والمنافقون ، قاله ابن جريج . الثاني : أنه النضر وهو من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي العزى واللات ، فأنزل اللّه هذه الآية ، قاله عكرمة . ٨{ يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم } الآية . والإطفاء هو الإخماد ، ويستعملان في النار ، ويستعاران فيما يجري مجراها من الضياء والنور . والفرق بين الإطفاء والإخماد من وجه وهو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير ، والإخماد يستعمل في الكثير دون القليل ، فيقال أطفأت السراج ولا يقال أخمدت السراج . وفي { نور اللّه } ها هنا خمسة أقاويل : أحدها : القرآن ، يريدون إبطاله بالقول ، قاله ابن زيد . الثاني : أنه الإسلام ، يريدون دفعه بالكلام ، قاله السدي . الثالث : أنه محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) يريدون هلاكه بالأراجيف ، قاله الضحاك . الرابع : أنه حجج اللّه ودلائله ، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذبيهم ، قاله ابن بحر . الخامس : أنه مثل مضروب ، أي من أرد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلاً ممتنعاً فكذلك من أراد إبطال الحق ، حكاه ابن عيسى . وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود ابشروا فقد أطفأ اللّه نور محمد فيما كان ينزل عليه ، وما كان اللّه ليتم أمره ، فحزن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) لذلك ، فأنزل اللّه هذه الآية ، ثم اتصل الوحي بعدها . { ليظهره على الدين كله } الآية . وفي الإظهار ثلاثة أقاويل : أحدها : الغلبة على أهل الأديان . الثاني : العلو على الأديان . الثالث : العلم بالأديان من قولهم قد ظهرت على سره أي علمت به . ٩هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) ١٠يا أيها الذين . . . . . { وأخرى تحبونها نصر من اللّه وفتح قريب } وهذا من اللّه لزيادة الترغيب ، لأنه لما وعدهم بالجنة على طاعته وطاعة رسوله علم أن منهم من يريد عاجل النصر لقاء رغبة في الدنيا ولقاء تأييد الدين فوعدهم بما يقوي به الرغبة فقال : { وأخرى تحبونها نصر من اللّه وفتح قريب } يعني فتح البلاد عليه وعليهم ، وقد أنجز اللّه وعده في كلا الأمرين من النصر والفتح . وفي قوله : { قريب } وجهان : أحدهما : أنه راجع إلى ما يحبونه أنه نصر من اللّه وفتح قريب . الثاني : أنه إخبار من اللّه بأن ما يحبونه من ذلك سيكون قريباً ، فكان كما أخبر لأنه عجل لهم الفتح والنصر . ١١تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) ١٢يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اْلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) ١٣وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) ١٤يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤) |
﴿ ٠ ﴾