سورة المنافقونبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللّه } سئل حذيفة ابن اليمان عن المنافق فقال : الذي يصف الإسلام ولا يعمل به ، وهم اليوم شر منهم على عهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه . { قالوا نشهد إنك لرسول اللّه } يعني نحلف ، فعبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مغيب ، ومنه قول قيس بن ذريح : وأشهد عند اللّه أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا ويحتمل ثانياً : أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول اللّه اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم ، وهو الأشبه . وسبب نزول هذه الآية ما روى أسباط عن السدي أن عبد اللّه بن أبي بن سلول كان مع رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في غزاة وفيها أعراب يتبعون الناس ، وكان ابن أبي يصنع لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في كل يوم طعاماً ، فاستقى أعرابي ماء في حوض عمله من أحجار ، فجاء رجل من أصحاب ابن أبي بناقة ليسقيها من ذلك الماء فمنعه الأعرابي واقتتلا فشجه الاعرابي ، فأتى الرجل إلى عبد اللّه [ بن أبي ] ودمه يسيل على وجهه ، فحزنه ، فنافق عبد اللّه وقال : ما لهم رد اللّه أمرهم إلى تبال ، وقال لأصحابه : لا تأتوا محمداً بالطعام حتى يتفرق عنه الأعراب ، فسمع ذلك زيد بن أرقم وكان حدثاً ، فأخبر عمه ، فأتى عمه رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فحدثه ، فبعث إلى ابن أبيّ وكان من أوسم الناس وأحسنهم منطقاً ، فأتى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فحلف : والذي بعثك بالحق ما قلت من هذا شيئاً ، فصدقه فأنزل اللّه هذه الآية . { واللّه يعلم إنك لرسوله } أي إن نافق من نافقك من علم اللّه بأنك رسوله فلا يضرك . ثم قال : { واللّه يشهد إن المنافقين لكاذبون } يحتمل وجهين : أحدهما : واللّه يقسم إن المنافقين لكاذبون في أيمانهم . الثاني : معناه واللّه يعلم أن المنافقين لكاذبون فيها . { اتخذوا أيمانهم جنة } والجنة : الغطاء المانع من الأذى ، ومنه قول الأعشى ميمون . إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة من المال سار الذم كل مسير وفيه وجهان : أحدهما : من السبي والقتل ليعصموا بها دماءهم وأموالهم ، قاله قتادة . الثاني : من الموت ألاَّ يُصلَّى عليهم ، فيظهر على جميع المسلمين نفاقهم ، وهذا معنى قول السدي . ويحتمل ثالثاً : جنة تدفع عنهم فضيحة النفاق . { فصدوا عن سبيل اللّه } فيه وجهان : أحدهما : عن الإسلام بتنفير المسلمين عنه . الثاني : عن الجهاد بتثبيطهم المسلمين وإرجافهم به وتميزهم عنهم ، قال عمر بن الخطاب : ما أخاف عليكم رجلين : مؤمناً قد استبان إيمانه وكافر قد استبان كفره ، ولكن أخاف عليكم منافقاً يتعوذ بالإيمان ويعمل بغيره . { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } يعني حسن منظرهم وتمام خلقهم . { وإن يقولوا تسمع لقولهم } يعني لحسن منطقهم وفصاحة كلامهم . ويحتمل ثانياً : لإظهار الإسلام وذكر موافقتهم . { كأنهم خشب مسندة } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه شبههم بالنخل القيام لحسن منظرهم . الثاني : [ شبههم ] بالخشب النخرة لسوء مخبرهم . الثالث : أنه شبههم بالخشب المسندة لأنهم لا يسمعون الهدى ولا يقبلونه ، كما لا تسمعه الخشب المسندة ، قاله الكلبي ، وقوله : { مسندة } لأنهم يستندون إلى الإيمان لحقن دمائهم . { يحسبون كل صيحة عليهم } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنهم لِوَجَلهم وخبثهم يحسبون كل صيحة يسمعونها - حتى لو دعا رجل صاحبه أو صاح بناقته - أن العدو قد اصطلم وأن القتل قد حَلَّ بهم ، قاله السدي . الثاني : { يحسبون كل صيحة عليهم } كلام ضميره فيه ولا يفتقر إلى ما بعده ، وتقديره : يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم فقال : { هم العدو فاحذرهم } وهذا معنى قول الضحاك . الثالث : يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قد أمر فيها بقتلهم ، فهم أبداً وجلون ثم وصفهم اللّه بأن قال : { هم العدو فاحذرهم } حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم . وفي قوله : { فاحذرهم } وجهان : أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم وتميل إلى كلامهم . الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك . { قاتلهم اللّه } فيه وجهان : أحدهما : معناه لعنهم اللّه ، قاله ابن عباس وأبو مالك . والثاني : أي أحلهم اللّه محل من قاتله عدو قاهر ، لأن اللّه تعالى قاهر لكل معاند ، حكاه ابن عيسى . وفي قوله : { أني يؤفكون } أربعة أوجه : أحدها : معناه يكذبون ، قاله ابن عباس . الثاني : معناه يعدلون عن الحق ، قاله قتادة . الثالث : معناه يصرفون عن الرشد ، قاله الحسن . الرابع : معناه كيف يضل عقولهم عن هذا ، قاله السدي . |
﴿ ١ ﴾