سورة التغابن

١

يسبح للّه ما . . . . .

٢

قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فْمِنكُمْ كَافِرٌ } بأنه خلقه { وَمِنْكُم مُّؤمنٌ } بأنه خلقه ، قاله الزجاج .

الثاني : فمنكم كافر به وإن أقرّ به ، ومنكم مؤمن به .

قال الحسن : وفي الكلام محذوف وتقديره : فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق ، فحذفه لما في الكلام من الدليل عليه .

وقال غيره : لا حذف فيه لأن المقصود به ذكر الطرفين .

٣

{ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون بالقول .

الثاني : بإحكام الصنعة وصحة التقدير .

وذكر الكلبي ثالثاً : أن معناه خلق السموات والأرض للحق .

{ وَصَوَّرَكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : يعني آدم خلقه بيده كرامة له ، قاله مقاتل .

الثاني : جميع الخلق لأنهم مخلوقون بأمره وقضائه .

٤

{ فأحْسَنَ صُوَرَكم } أي فأحكمها .

٥

ألم يأتكم نبأ . . . . .

{ . . . . فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدونَنا } يعني أن الكفار قالوا ذلك استصغاراً للبشر أن يكونوا رسلاً من اللّه إلى أمثالهم ، والبشر والإنسان واحد في المعنى ، وإنما يختلفان في اشتقاق الاسم ، فالبشر مأخوذ من ظهور البشرة ، وفي الإنسان وجهان :

أحدهما : مأخوذ من الإنس .

والثاني : من النسيان .

٦

{ فَكَفَروا } يعني بالرسل { وَتَوَلَّوْا } يعني عن البرهان .

{ واستغنى اللّه } فيه وجهان :

أحدهما : بسلطانه عن طاعة عباده ، قاله مقاتل .

الثاني : واستغنى اللّه بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه لهم من البيان من زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية .

{ وَاللّه غَنِيٌّ حَمِيدٌ } في قوله { غَنِيٌّ } وجهان :

أحدهما : غني عن صدقاتكم ، قاله البراء بن عازب .

الثاني : عن عملكم ، قاله مقاتل .

وفي { حميد } وجهان :

أحدهما : يعني مستحمداً إلى خلقه بما ينعم به عليهم ، وهو معنى قول عليّ .

الثاني : إنه مستحق لحمدهم .

وحكي عن ابن عباس فيه ثالث : معناه يحب من عباده أن يحمدوه .

٧

{ زَعَمَ الذين كَفَروا } قال شريح زعموا كُنْيةُ الكذب .

٨

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨)

٩

{ يومَ يَجْمَعُكم ليومِ الجمْعِ } يعني يوم القيامة ، ومن تسميته بذلك وجهان :

أحدهما : لأنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته .

الثاني : لأنه يجمع فيه بين الظالمين والمظلومين .

ويحتمل ثالثاً : لأنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعاصي .

{ ذلك يومُ التغابُنِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه من أسماء يوم القيامة ، ومنه قول الشاعر :

وما أَرْتجي بالعيش من دارِ فُرْقةٍ

ألا إنما الراحاتُ يوم التغابنِ

الثاني : لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار ، قال الشاعر :

لعمرك ما شيءٌ يفوتُك نيلُه

بغبْنٍ ولكنْ في العقول التغابنُ

الثالث : لأنه يوم غَبَنَ فيه المظلومُ الظالمَ ، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً فصار في الآخرة غابناً .

ويحتمل رابعاً : لأنه اليوم الذي أخفاه اللّه عن خَلْقه ، والغبن الإخفاء ومنه الغبن في البيع لاستخفائه ، ولذلك قيل مَغابِن الجسد لما خفي منه .

١٠

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠)

١١

{ ما أصابَ مِنْ مُّصيبةٍ } من نفس أو مالٍ أو قول أو فعل يقتضي همّاً أو يوجب عقاباً عاجلاً أو آجلاً .

{ إلا بإذْنِ اللّه } فيه وجهان :

أحدهما : إلا بأمر اللّه .

الثاني : إلا بحكم اللّه تسليماً لأمره وانقياداً لحكمه .

{ ومَن يُؤْمِن باللّه يَهْدِ قلبَهُ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : معناه يهدي قلبه اللّه تعالى .

الثاني : أنه يعلم أنه من عند اللّه ويرضى ويسلّم ، قاله بشر .

الثالث : أن يسترجع فيقول : إنّا للّه وإنا إليه راجعون .

الرابع : هو إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر ، قاله الكلبي .

١٢

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (١٢)

١٣

اَللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)

١٤

{ يا أيها الذين آمنوا إنّ مِنْ أزْواجِكم وأَوْلادِكم عَدوّاً لكم }

فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أنه أراد قوماً أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم منها وثبطوهم عنها ، فنزل ذلك فيهم ؛ قاله ابن عباس .

الثاني : من أزواجكم وأولادكم من لا يأمر بطاعة اللّه ولا ينهى عن معصيته ، قاله قتادة .

الثالث : أن منهم من يأمر بقطيعة الرحم ومعصية الرب ، ولا يستطيع مع حبه ألاّ يطيعه ، وهذا من العداوة ؛ قاله مجاهد .

وقال مقاتل بن سليمان : نبئت أن عيسى عليه السلام قال : من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان للدنيا عبداً .

الرابع : أن منهم من هو مخالف للدين ، فصار بمخالفة الدين عدواً ، قاله ابن زيد .

الخامس : أن من حملك منهم على طلب الدنيا والاستكثار منها كان عدواً لك ، قاله سهل .

وفي قوله { فاحذروهم } وجهان :

أحدهما : فاحذروهم على دينكم ؛ قاله ابن زيد .

الثاني : على أنفسكم ، وهو محتمل .

{ وإن تعْفُوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا } الآية . يريد بالعفو عن الظالم ، وبالصفح عن الجاهل ، وبالغفران للمسيء .

{ فإنّ اللّه غفورٌ } للذنب { رحيم } بالعباد ، وذلك أن من أسلم بمكة ومنعه أهله من الهجرة فهاجر ولم يمتنع قال :

لئن رجعت لأفعلنّ بأهلي ولأفعلنّ ، ومنهم من قال : لا ينالون مني خيراً أبداً ، فلما كان عام الفتح أُمِروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ، ونزلت هذه الآية فيهم .

١٥

{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة } فيه وجهان :

أحدهما : بلاء ، قاله قتادة .

الثاني : محنة ، ومنه قول الشاعر :

لقد فتن الناس في دينهم

وخلّىّ ابنُ عفان شرّاً طويلاً

وفي سبب افتتانه بهما وجهان :

أحدهما : لأنه يلهو بهما عن آخرته ويتوفر لأجلهما على دنياه .

الثاني : لأنه يشح لأجل أولاده فيمنع حق اللّه من ماله ، لذلك قال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { الولد مبخلة محزنة مجبنة } .

{ واللّه عنده أجْرٌ عظيمٌ } قال أبو هريرة والحسن وقتادة وابن جبير : هي الجنة .

ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يكون أجرهم في الآخرة أعظم من منفعتهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا ، فلذلك كان أجره عظيماً .

١٦

{ فاتّقوا اللّه ما اسْتطعتم } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني جهدكم ، قاله أبو العالية .

الثاني : أن يطاع فلا يعصى ، قاله مجاهد .

الثالث : أنه مستعمل فيما يرجونه به من نافلة أو صدقة ، فإنه لما نزل

قوله تعالى : { اتّقوا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ } اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل اللّه تعالى ذلك تخفيفاً { فاتقوا اللّه ما استطعتم } فنسخت الأولى ، قاله ابن جبير .

ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكْرَه على المعصية غير مؤاخذ بها لأنه لا يستطيع اتقاءها .

{ واسْمَعوا } قال مقاتل : كتاب اللّه إذا نزل عليكم .

{ وأطيعوا } الرسول فيما أمركم أو نهاكم ، قال قتادة : عليها بويع النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) على السمع والطاعة . { وأنفِقوا خيْراً لأنفُسِكم } فيه ثلاثة أوجه :

أحدهما : هي نفقة المؤمن لنفسه ، قاله الحسن .

الثاني : في الجهاد ، قاله الضحاك .

الثالث : الصدقة ، قاله ابن عباس .

{ ومَن يُوقَ شُحَّ نفسِهِ فأولئك هم المفلِحونَ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : هوى نفسه ، قاله ابن أبي طلحة .

الثاني : الظلم ، قاله ابن عيينة .

الثالث : هو منع الزكاة ، قال ابن عباس : من أعطى زكاة ماله فقد وقاه اللّه شح نفسه .

١٧

{ إن تُقْرِضوا اللّه قرْضاً حَسَناً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : النفقة في سبيل اللّه ، قاله عمر رضي اللّه عنه .

الثاني : النفقة على الأهل ، قاله زيد بن أسلم .

الثالث : أنه قول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، رواه ابن حبان .

وفي قوله { حَسَناً } وجهان محتملان :

أحدهما : أن تطيب بها النفس .

الثاني : أن لا يكون بها ممتناً .

{ يُضاعفْه لكم } فيه وجهان :

أحدهما : بالحسنة عشر أمثالها ، كما قال تعالى في التنزيل .

الثاني : إلى ما لا يحد من تفضله ، قاله السدي .

{ ويَغْفِرْ لكم } يعني ذنوبكم .

{ واللّه شكورٌ حليمٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يشكر لنا القليل من أعمالنا وحليم لنا في عدم تعجيل المؤاخذة بذنوبنا .

الثاني : شكور على الصدقة حين يضاعفها ، حليم في أن لا يعجل بالعقوبة من [ تحريف ] الزكاة عن موضعها ، قاله مقاتل .

١٨

{ عالِمُ الغَيْبِ والشهَادةِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : السر والعلانية .

الثاني : الدنيا والآخرة .

﴿ ٠