١٢

{ اللّه الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن اللّه على كل شيء قدير وأن اللّه أحاط بكل شيء علماً }

{ اللّه الذي خلق سبع سموات } لا اختلاف بينهم في السموات السبع أنها سماء فوق سماء .

ثم قال : { ومن الأرض مثلهن } يعني سبعاً ، واختلف فيهن على قولين :

أحدهما : وهو قول الجمهور أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض ، وجعل في كل أرض من خلقه من شاء ، غير أنهم تقلّهم أرض وتظلهم أخرى ، وليس تظل السماء إلا أهل الأرض العليا التي عليها عالمنا هذا ، فعلى هذا تختص دعوة الإسلام

بأهل الأرض العليا ولا تلزم من في غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز .

وفي مشاهدتهم السماء واستمداد الضوء منها قولان :

أحدهما : أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة .

والقول الثاني : أنهم لا يشاهدون السماء وإن اللّه خلق لهم ضياء يستمدونه ، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة .

القول الثاني : حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض ، تفرق بعض ، تفرق بينهن البحار وتظل جميعهن السماء ، فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل هذه الأرض وصول للأخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض ، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه ، واحتل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمت لكان النص بها وارداً ولكان الرسول بها مأموراً ، واللّه أعلم بصحة ما استأثر بعلمه وصواب ما اشتبه على خلقه .

ثم قال تعالى : { يتنزل الأمر بينهن } فيه وجهان :

أحدهما : الوحي ، قاله مقاتل ، فعلى هذا يكون قوله { بينهن } إشارة إلى ما بين هذه الأرض العليا التي هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها .

الوجه الثاني : أن المراد بالأمر قضاء اللّه وقدره ، وهو قول الأكثرين ، فعلى هذا يكون المراد بقوله " بينهن " الإشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها .

ثم قال { ليعلموا أن اللّه على كل شيء قدير } لأن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر ، ومن العفو والانتقام أمكنْ ، وإن استوى كل ذلك في مقدوره ومكنته .

{ وأن اللّه قد أحاط بكل شيء علماً } أوجب التسليم بما تفرد به من العلم كما أوجب التسليم بما تفرد به من القدرة ، ونحن نستغفر اللّه من خوض فيما اشتبه وفيما التبس وهو حسب من استعانه ولجأ إليه .

﴿ ١٢